للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوطنها على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرع غصصها، وأتحمل لأجلها حزنا يفيض الدموع من عينى لأتسبب بذلك إلى وصل يدوم، ومسرة لا تزول فإن الصبر مفتاح الفرج ولكل بداية نهاية ...

===

عن بعض معناها شائع عندهم، ولا يقال: إن الظاهر من كلام الشارح جعل طلب البعد مجازا عن طيب النفس به اللازم له، وجعل سكب الدموع مجازا عن سببه وهو الحزن؛ لأنا نقول: بل مرده تقرير معنى البيت وبيان سبب السكب، ولا حاجة إلى ارتكاب التجوز. وأطيب يصح أن يكون بالتخفيف من طاب بدليل تنكير نفسا على التمييز، إذ لو كان بالتشديد لقال: نفسى بالنصب على المفعولية، ويصح أن يكون بالتشديد من طيب بدليل عطف وأوطنها عليه، لكن الأول أحسن؛ لأن الثانى يوهم أن المراد تطييب النفس، ولو غير نفس المتكلم كما يؤخذ من التنكير ومراعاة جانب المعنى أولى.

(قوله: وأوطنها) أى: أصبرها على مقاساة إلخ: هذا راجع إلى قوله وتسكب عيناى الدموع: بيان لحاصل معناه، وقوله إلى وصل يدوم: راجع لقوله: لتقربوا، وقوله ومسرة إلخ: راجع لقوله لتجمدا: بيان للمعنى المراد منه

(قوله: والأشواق) أخذ الأشواق بطريق اللازم؛ لأنه يلزم من الحزن على بعد الحبيب الاشتياق إليه.

(قوله: وأتجرع غصصها) أى: الأشواق وفيه استعارة بالكناية وتخييل، حيث شبه الأشواق بمشروب مر والتجرع تخييل

(قوله: لأجلها) علة للتحمل أى: وأتحمل لأجل تلك الأشواق حزنا فالضمير للأشواق، أو راجع للنفس على حذف مضاف أى: وأتحمل حزنا لأجل راحة نفسى، ولا يصح رجوعه للأحزان لما فيه من الركة.

(قوله: يفيض) أى: ذلك الحزن الدموع، وفيه أنه قد جعل الحزن سببا فى سكب الدموع، وهذا ينافى ما تقدم له من أن سكب الدموع كناية عن الحزن، فإن مقتضى ذلك أن سكب الدموع ملزوم والحزن لازم، واللازم مسبب لا سبب، إلا أن يقال: إنهما متلازمان لزوما مساويا، فكل منهما لازم للآخر، فيصح فى كل أن يعتبر لازما أو ملزوما وسببا أو مسببا

(قوله: فإن الصبر إلخ) التفت الشارح لذلك لا لكون الزمان والإخوان من عادتهم معاملة الإنسان بنقيض مطلوبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>