للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

لمصاحبته للغرس الحاضر ولو لم يذكر، فكأنك قلت: هذا يغرس الأشجار فاغرس أنت الإحسان مثله، فإن قدرته مجازا للتشبيه فى رجاء النفع كان مجازا للتشبيه ومشاكلة للصحبة، وإن لم تقدره كان مشاكلة محضة، وكذا يقال فى كل مشاكلة- ألا ترى أنك لو اعتبرت فى المثال السابق أن الطبخ الحقيقى شبه به النسج فى الرغبة والحاجة، فإنه يكون مجازا باعتبار التشبيه، ومشاكلة باعتبار المصاحبة؛ لأن قرينة الحال التى هى سبب النزول من غمس النصارى أولادهم فى الماء الأصفر دلت على ذلك كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان تريد رجلا يصطنع الكرام. ومنه الاستطراد: وهو الانتقال من معنى إلى معنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول التوصل إلى ذكر الثانى كقول الحماسى:

وإنا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول (*)

وقول الآخر:

إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم (**)

وعليه قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١) قال الزمخشرى: هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر السوآت وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق الله من اللباس ولما فى العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى هذا أصله، وقد يكون الثانى هو المقصود فيذكر الأول قبله ليتوصل إليه كقول أبى إسحاق الصابى:

إن كنت خنتك فى المودة ساعة ... فذممت سيف الدولة المحمودا

وزعمت أنّ له شريكا فى العلا ... وجحدته فى فضله التوحيدا

قسما لو انى حالف بغموسها ... لغريم دين ما أراد مزيدا


(**) البيت لزياد الأعجم، وجرم قبيلة منن اليمن، ولعلّ الشاعر أراد أن يضع من شأنها ويجعلها مضرب المثل فى الضعة.
(١) الأعراف: ٢٦.
(*) البيت من قصيدة السموأل اللامية المشهورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>