للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله (١): قف بالديار الّتى لم يعفها القدم) أى: لم يبلها تطاول الزمان وتقادم العهد، ثم عاد إلى ذلك الكلام ونقضه بقوله: (بلى وغيرها الأرواح والديم) أى: الرياح والأمطار. والنكتة: إظهار التحير والتوله؛ كأنه أخبر أولا بما لا تحقق له، ثم أفاق بعض الإفاقة فنقض الكلام السابق قائلا: بلى عفاها القدم وغيرها الأرواح والديم.

===

(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو زهير بن أبى سلمى بضم السين وسكون اللام وفتح الميم.

(قوله: أى لم يبلها تطاول الزمان) من الإبلاء وهو التغيير، وأشار بقوله تطاول الزمان إلى أن المراد بالقدم فى البيت القدم الزمانى.

(قوله: وتقادم العهد) أى:

عهد أربابها، وهذا تفسير لما قبله والمعنى قف بالديار التى لم يغير آثارها قدم عهد أربابها لقرب وقت انتقالهم منها، وهذا مرغوب للشاعر لأن قرب الأثر بما يستنشق منه رائحة المحبوب ويقرب له وقت الوصال.

(قوله: بلى) أى: عفاها القدم لأن نفى النفى إثبات، فقوله: وغيرها الأرواح عطف على المحذوف الذى دل عليه بلى.

(قوله: وغيرها الأرواح) أى: وغير آثارها الرياح فالأرواح جمع ريح؛ لأن أصلها الواو وإنما جاءت الياء لانكسار ما قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو كقولك أروح الماء وتروحت بالمروحة.

(قوله: والديم) أى: وغير آثارها الديم جمع ديمة، وهى السحابة ذات المطر الكثير سميت بذلك لدوامها غالبا.

(قوله: فنقض الكلام السابق) أى: لأجل إظهار تحسره وتحزنه على فوات ما كان راغبا فيه أو لأجل إظهار التحسر والتوله كما قال الشارح.

(قوله: بلى عفاها القدم إلخ) أشار بهذا لما قلنا من أن قوله وغيرها فى البيت عطف على محذوف، أى بلى عفاها القدم وغيرها .. إلخ، فلا حاجة للقول بأن الواو فى قوله وغيرها زائدة، وعطف تغيير الأرواح والديم على عفو القدم من عطف المفصل على المجمل؛ لأن عفو القدم إنما يكون غالبا بتغير الأرواح والديم، ومثال العود لنقض الكلام السابق بلا، قوله:

فأفّ لهذا الدّهر لا بل لأهله (٢)


(١) البيت لزهير بن أبى سلمى وهو مطلع قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان- وانظر ديوانه (ص ٧٨).
(٢) وهو لزيد بن الطثرية، فى الإيضاح ص ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>