للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

الأمر أيضا حتى ينافى الالتفات، والحاصل أن ما فى البيت تجريد نظرا للتغاير الادعائى، والتفات نظرا للاتحاد الواقعى، وفى بعض الحواشى ليس مراد الشارح بعدم منافاة الالتفات للتجريد أنه يجوز اجتماعهما فى لفظ واحد قصدا بل مراده أن الالتفات لا ينافى احتمال التجريد، فكما صح فى البيت الالتفات يصح فيه التجريد على البدلية لا على الاجتماع، وذلك لأن من المواد ما يصلح لقصد التجريد فقط ومنها ما يصلح للالتفات فقط ومنها ما يصلح لهما معا، فالأول: كما تقدم فى قولهم لى من فلان صديق حميم، إذ لا معنى للالتفات فيه لاتحاد الطرفيين فيه إذ هما معا غيبة، والثانى: كقوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (١) إذ لا معنى للانتزاع والتجريد فيه بأن يقال انتزع تعالى من ذاته ربا مبالغة فى ربوبيته للنبى- صلّى الله عليه وسلم- لأنه يلزم الأمر بالصلاة المرب المنتزع، والثالث: كالمثال الذى نحن بصدد البحث فيه وهو لئن بقيت لأرحلن بغزوة إلخ، فإن المتكلم بهذا الكلام يحتمل أنه قصد المبالغة فى وصف نفسه بالكرم حتى انتزع من نفسه كريما آخر فيكون تجريدا، ويحتمل أنه أراد التنطع فى التعبير وتحويل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر جديد فيكون التفاتا، وأما كون الالتفات والتجريد يجتمعان فى مادة قصدا فلا يصح.- انتهى كلامه، قال العلامة عبد الحكيم:

والصواب أن اجتماعهما واقع فى صورة يكون الأسلوب المنتقل إليه دالا على صفة كما فيما نحن فيه، فهو يعنى قوله كريم التفات من حيث إنه انتقل من التكلم للغيبة، وتجريد من حيث التعبير بصيغة الصفة لأجل المبالغة فى الكرم، ولا يرد ما قيل إن الالتفات يقتضى الاتحاد والتجريد يقتضى التغاير ولو ادعاء، وبينهما تناف لأنه إنما يلزم ذلك لو كان اعتبار المتنافيين من جهة واحدة بحسب اقتضاء المقام، وهنا ليس كذلك لما علمت أن الالتفات من حيث إنه انتقل من التكلم للغيبة لأجل تجديد الأسلوب، والتجريد من حيث التعبير بصيغة الصفة لأجل المبالغة فى الكرم مثلا اه. وبهذا تعلم أن قول الشارح: قلنا لا ينافى التجريد، معناه قلنا إن الالتفات لا ينافى التجريد وأنه يجوز اجتماعهما


(١) الكوثر: ٢، ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>