للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمير للشأن (لتخافك النّطف الّتى لم تخلق) فإن خوف النطفة الغير المخلوقة ممتنع عقلا وعادة (والمقبول منه) أى من الغلو (أصناف منها ما أدخل عليه ما يقر به إلى الصحة نحو) لفظة (يكاد فى قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ (١).

===

(قوله: النطف) جمع نطفة وهى الماء الذى يتخلق منه الإنسان وقوله (التى لم تخلق) أى:

لم يخلق منها الإنسان بعد، أو لم تخلق هى بنفسها أى لم توجد، فقد بالغ فى أخافته أهل الشرك حيث صيره تخافه النطف التى لم توجد، ومعلوم أن خوف النطف محال؛ لأن شرط الخوف عقلا الحياة فيستحيل الخوف من الموجود الموصوف بعدمها فضلا عن خوف المعدوم، فهذه المبالغة غلو مردود لعدم اشتماله على شىء من موجبات القبول الآتية.

(قوله: منها ما أدخل عليه ما يقر به إلى الصحة) أى: من تلك الأصناف صنف أدخل عليه لفظ يقرب الأمر الذى وقع فيه الغلو إلى الصحة، أى: إلى مكان وقوعه

(قوله: نحو لفظة يكاد) أى: ولفظة لو ولولا وحرف التشبيه

(قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) المبالغ فيه إضاءة الزيت كإضاءة المصباح من غير نار، ولا شك أن إضاءة الزيت إضاءة كإضاءة المصباح بلا نار محال عقلا وعادة، فلو قيل فى غير القرآن هذا الزيت يضىء كإضاءة المصباح بلا نار لرد، وحيث قيل يكاد يضىء أفاد أن المحال لم يقع ولكن قرب من الوقوع مبالغة، لأن المعنى يقرب زيتها من الإضاءة والحال أنه لم تمسسه نار، ومعنى قرب المحال من الوقوع توهم وجود أسباب الوقوع، وقرب المحال من الوقوع، قريب من الصحة، إذ قد تكثر أسباب الوهم المتخيل بها وقوعه ولو كان لا يقع، قيل: إن المصنف لما مثل بالآية كان ينبغى له أن يقول: منها ما أدخل عليه ما يخرجه عن الامتناع بدل قوله ما يقربه إلى الصحة تأدبا؛ إذ صحة كلام الله مزيد عليها فكيف يقال فيه ما يقربه إلى الصحة ثم إن ما ذكر من كون إضاءة الزيت كإضاءة المصباح بلا نار محالا عقلا غير ظاهر، لصحة اتصاف كل جسم بما اتصف به الآخر


(١) النور: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>