وهذا الحكم مما ينكره كثير من المخاطبين، لكن نزل إنكارهم منزلة عدمه لما معهم من الدلائل الدالة على أنه ليس مما ينبغى أن يرتاب فيه، والأحسن أن يقال: إنه ...
===
(قوله: وهذا الحكم) أى: كون القرآن ليس مظنة للريب
(قوله: مما ينكره كثير إلخ) أى:
فالإنكار إنما هو لكونه ليس مما ينبغى أن يرتاب فيه لا لنفى الريب عنه واعترض بأن المخاطب بالآية النبى وأصحابه ولا ينكر هذا الحكم أحد منهم، فقول الشارح مما ينكره كثير من المخاطبين- لا يسلم، وأجيب بأن المراد بالمخاطب هنا من يلاحظ حاله وتفهيمه للكلام أعنى: مطلق السامع بدليل أن المقصود من الآية تعبير الكفار باعتبار إنكارهم لهذا الحكم وليس المراد بالمخاطب من يلقى إليه الكلام خاصة وإذا كان المراد بالمخاطبين مطلق السامعين كان شاملا للكفار والكثير من السامعين المنكر لهذا الحكم هم الكفار
(قوله: لكن نزل إنكارهم إلخ) أى: فلذلك ألقى الخبر غير مؤكدا، وكان المناسب لأصل المبحث أعنى: تنزيل المنكر منزلة غيره أن يقول: لكن نزل المنكر منزلة غير المنكر، وإن كان لا يلزم من تنزيل إنكارهم منزلة عدمه تنزيل المنكر كغيره
(قوله: لما معهم إلخ) وهو أنه كلام معجز أتى به من دل على نبوته بالمعجزات الباهرة، فإن قلت تفسير ما معهم بما ذكر يقتضى أن ما معهم عبارة عن الدليل المصطلح عليه عند المناطقة، وهو يخالف ما مر من أن المراد به الأصولى- قلت: المراد أن إعجازه دليل وكون من أتى به صادقا مصدوقا بالمعجزات دليل آخر مستقل على كونه من عند الله وليس المجموع دليلا واحدا حتى يرد ما ذكر
(قوله: والأحسن أن يقال إلخ) اعلم أن حاصل الأول أن المنفى ليس نفس الريب، بل كون القرآن محلا للريب ومظنة له خطابا لمنكرى ذلك، وحاصل الثانى أن المنفى نفس الريب على سبيل الاستغراق من غير مخاطبة، وكان هذا أحسن لوجهين.
الأول: أن جعله مثالا لا بد فيه من التأويل الذى قاله الشارح حتى يصح التمثيل بخلاف جعله تنظيرا، فإنه لا يحتاج للتأويل الذى صح الوجه الأول به ولا لغيره وما لا يحتاج أحسن مما يحتاج. ثانيهما: أنه على تقدير تأويله بما يصحح جعله مثالا لتنزيل المنكر منزلة غيره ينافيه، أو يعكر عليه قوله: بعد وهكذا اعتبارات النفى فإنه يدل على أنه لم يمثل فيما تقدم بالنفى، وأن ما تقدم متمحض للإثبات، وقد يجاب عن هذا بأن المراد، وهكذا باقى اعتبارات النفى- فتأمل.