ولم يقل به أحد، ومما يدل على فساد ذلك أنه مثل صاحب المفتاح، وغيره فى هذه الكناية بقوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (١)، ...
===
غير هذا الرجل المشار إليه، أو قلت فى شأن كافر لا يسمى بأبى جهل أبو جهل فعل كذا يكون كناية عن الجهنمى؛ لأنك أطلقت اسم الملزوم وهو أبو جهل، والإشارة للكافر وأردت اللازم وهو الجهنمى، وجعل هذا من الكناية لم يقل به أحد ووجه الاستلزام أن هذا القائل جعل منشأ الانتقال للجهنمى كون الذات الكافرة مستلزمة له، وهذا الإلزام لا يتوجه على القول الأول من أن اللفظ مستعمل فى معناه الأصلى وهو الإضافى لينتقل منه إلى لازمه الذى هو الجهنمى؛ لأن المعنى الإضافى فى أبى جهل ليس من لوازمه الجهنمى
(قوله: ولم يقل به أحد) أى: لم يقل بأنه كناية أحد، وقد يجاب بأنه لا يلزم من فهم الجهنمى من أبى لهب فهمه من أبى جهل، ولا من قولك هذا لعدم اشتهار المعنى الذى وضع له اللفظ بذلك اللازم وهو الجهنمى.
والحاصل أن المعنى الذى وضع له اللفظ تارة يشتهر بصفة، وتارة لا يشتهر بها، وإن كانت تلك الصفة ثابتة له، فإن كان مشتهرا كما فى أبى لهب فإنه اشتهر بأنه جهنمى فيصح استعمال اللفظ فى تلك الصفة اللازمة على طريق الاستعارة أو الكناية، وإن كان غير مشتهر: كزيد وعمرو الكافرين لم يقل أحد لصحة استعمال اللفظ فى ذلك الوصف كناية أو استعارة فأبو لهب اشتهر بأنه جهنمى دون أبى جهل فقياس هذا على هذا قياس مع الفارق
(قوله: فى هذه الكناية) أى: لهذه الكناية ففى بمعنى اللام
(قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) إن قلت الكلام فى العلم المسند إليه وأبو لهب فى الآية مضاف إليه لا مسند إليه، فكيف يمثل صاحب المفتاح بهذه الآية؟ أجيب بأن اليد فى الآية مقحمة؛ لأن غالب الأعمال بها، فإذا هلكت فقد هلك صاحبها، وحينئذ فأبو لهب مسند إليه فى الحقيقة، وقيل: إنها غير زائدة لما روى أن سبب النزول أنه أخذ حجرا بيده فرمى به النبى صلّى الله عليه وسلّم وعليه فيكون ذكره الآية فى باب المسند إليه تتميما للفائدة كما هو دأب السكاكى.