فإن فى ضرب البيت بكوفة الجند، والمهاجرة إليه إيماء إلى أن طريق بناء الخبر مما ينبئ عن زوال المحبة، وانقطاع المودة ثم إنه يحقق زوال المودة، ويقرره حتى كأنه برهان عليه، ...
===
وضرب البيت فى الأصل شد أطنابه، ويلزمه الإقامة فيه المرادة، فتكون كناية عن الإقامة فيه من باب الانتقال من الملزوم للازم، وقوله مهاجرة: حال من فاعل ضربت أفادت أن الكوفة التى أقامت بها ليست محلها الأصلى وقوله بكوفة متعلق بضربت والباء بمعنى فى، وإضافتها للجند لإقامة جند كسرى بها، وقوله غالت أى: أكلت وودها أى محبتها لى:
مفعول مقدم، وغول فاعل مؤخر أى: إنها إنما أقامت بالكوفة بعد الهجرة إليها لكون الغول أكل ودها لى، وأن محبتها زالت ووجه إدخال التاء فى الفعل الغول مؤنث سماعا وإن كان بمعنى المهلك، ثم إن لفظ البيت خبر والمعنى على التأسف كما فى الحفيد على المطول.
(قوله: والمهاجرة إليها) عطف على ضرب
(قوله: إلى أن طريق بناء الخبر) أى إلى جنس الخبر المبنى عليه، وكان الأولى أن يقول إلى أن طريق بناء الخبر أمر من جنس زوال المحبة وانقطاع المودة ليوافق ما مر، والمراد أنه فرد من أفراد ذلك الجنس، وإنما كان الموصول يومىء للنوع المذكور؛ لأن الشأن أن الإنسان لا يقيم فى محل خلاف محله إلا إذا كان كارها لأهل محله
(قوله: ثم إنه) أى الإيماء المذكور بواسطة الصلة، وقرر شيخنا العدوى أن قوله: ثم إنه أى ما ذكر من الضرب والمهاجرة يحقق إلخ أى:
من تحقيق المسبب للسبب، وذلك لأن أكل الغول ودها سبب فى الواقع للضرب والمهاجرة ووجود المسبب دليل على وجود سببه، وظهر لك مما قلنا إن قوله ثم إنه يحقق يحتمل رجوع ضميره للإيماء جريا على ما مر من التسامح، ولما ذكر من الضرب والمهاجرة نظرا للحقيقة من أن المومى إنما هو الصلة.