وهذا معنى تحقيق الخبر، وهو مفقود فى مثل: إن الذى سمك السماء؛ إذ ليس فى رفع الله السماء تحقيق وتثبيت لبنائه لهم بيتا؛ فظهر الفرق بين الإيماء، وتحقيق الخبر ...
===
واعلم أن الاستدلال بالسبب على المسبب يسمى برهانا آنيا، والاستدلال بالمسبب على السبب يسمى برهانا لميا؛ لأن وجود المسبب خارجا علة فى وجود السبب بمعنى إنك إذا رأيت المسبب متحققا فى الخارج استدللت به على وجود السبب، فالمسبب حينئذ يقع فى جواب السؤال بلم عن وجود السبب، وما هنا من قبيل الاستدلال بالمسبب على السبب فهو من قبيل البرهان اللمى إذا علمت هذا تعلم أن قول الشارح كأنه برهان عليه لا وجه للكأنية، إذ هو برهان عليه حقيقة، فالأولى أن يقول؛ لأنه برهان عليه إلا أن يقال إن المعنى حتى كأنه برهان إنى فشبه اللمى بالأنى أو أن كان للتحقيق قرر ذلك شيخنا العدوى، أو يقال أتى بكأن؛ لأنه لم يسق مساق البراهين المعتادة
(قوله: وهذا معنى تحقيق الخبر) يعنى أن المراد بتحقيق الخبر تثبيته وتقريره حتى كأن الصلة دليل عليه، وليس المراد بتحقيق الخبر تحصيله وإيجاده بأن تكون الصلة للخبر فى الواقع والإلزام أن ضرب البيت بالكوفة والمهاجرة إليها علة لانقطاع المودة والمحبة فى نفس الأمر، وهو غير صحيح، إذ الأمر بالعكس وهو أن العلة فى ضرب البيت هو زوال المحبة.
(قوله: إذ ليس فى رفع الله السماء إلخ) أى: لأن رفع الله السماء ليس علة لبناء البيت لا آنية ولا لمية
(قوله: فظهر الفرق إلخ) أى: لأن حاصل الإيماء إلى وجه الخبر أن يستشعر السامع بجنس الخبر، ولا يلزم من ذلك أن يتيقنه بحيث يزول عنه الشك والإنكار له، وأما تحقيق الخبر فهو أن يستشعر السامع بجنس الخبر ويتيقنه، ويتقرر عنده بحيث يزول ما عنده من الشك فيه، والإنكار له ألا ترى إلى قوله: إن التى ضربت إلخ، فإنه يحصل منه فى ذهن السامع جنس انقطاع المودة والمحبة، ويثبت عنده بحيث يزول عنه الشك والإنكار؛ لأنه يلزم عادة من المهاجرة بالكوفة وضرب البيت بها والانقطاع فيها زوال المحبة والمودة بخلاف إن الذى سمك السماء إلخ، إذ لا يلزم عادة ولا عقلا من سمك