للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعنى: يقيمون بالبادية؛ لأن فقد العز فى الحضر (أو التعريض بغباوة السامع) حتى كأنه لا يدرك غير المحسوس (كقوله (١):

أولئك آبائى فجئنى بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع

===

هذا البيت الفردان لا النوعان بناء على أن إقامتهم كانت بين فردين من النوعين، فأشار الشارح إلى بيان المعنى المراد لا المعنى الأصلى

(قوله: يعنى يقيمون إلخ) أى: فقوله بين الضال والسلم كناية عن إقامتهم بالبادية

(قوله: لأن فقد العز فى الحضر) وذلك لأن من كان فى الحضر تناله الأحكام بخلاف من كان فى البادية فهو آمن مما ينغصه، وأشار الشارح بذلك إلى أن مراد الشاعر بوصفهم بسكنى البادية بين الضال والسلم: وصفهم بالعز، والشاهد فى إيراد المسند إليه اسم إشارة لقصد تمييزه تمييزا كاملا لغرض مدحه بالانفراد فى المحاسن وبالعز، ويحتمل أن يكون المراد بالوصف بسكنى البادية وصفهم بكمال البلاغة ونهاية الفصاحة لكونهم لا يخالطون فى الحضر طوائف العجم فتكون لغاتهم سالمة مما يخل بالفصاحة، وكأن الشارح اختار الأول تأسيا بكلام أبى العلاء المعرى حيث قال:

الموقدون بنجد نار بادية ... لا يحضرون وفقد العزّ فى الحضر.

(قوله: حتى كأنه لا يدرك غير المحسوس) أى: غير المدرك بحاسة البصر أى الذى وضع له اسم الإشارة

(قوله: أولئك آبائى (٢) إلخ) هذا من كلام الفرزدق يهجو جريرا، والشاهد فى إيراد المسند إليه اسم إشارة للتنبيه على غباوة جرير، حتى إنه لا يدرك غير المحسوس، ولو قال فلان وفلان وفلان آبائى لم يحصل التعريض بذلك، وقوله: فجئنى بمثلهم: أمر تعجيز على حد قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٣) أى لا تقدر على الإتيان بمثلهم فى مناقبهم إذا جمعتنا مجامع الافتخار يوما ما

(قوله: فجئنى بمثلهم)


(١) من الطويل وهو للفرزدق فى ديوانه ١١/ ٤١٨، وأساس البلاغة (جمع).
(٢) البيت للفرزدق فى ديوانه (١/ ٤١٨) والإشارات والتنبيهات (١٨٤) والتبيان للطيى (١/ ١٥٧) بتحقيق د/ عبد الحميد هنداوي.
(٣) البقرة: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>