للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(و) نحو: (قوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١) ...

===

الجمع بالواو والياء والنون خاصة بالذكور، ونكتة هذا التغليب الإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت- أى مريم- من جملتهم وأدخلت فى التعبير عنهم، واعلم أن التغليب فى الآية مبنى على أن من تبعيضية، أما إذا كانت لابتداء الغاية، والمعنى وكانت مريم مبتدأة وناشئة من القوم القانتين؛ لأنها من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومن ذرية هرون أخى موسى فلا يتعين التغليب، إذ المراد بالقانتين محض الذكور من آبائها والوجه الأول أعنى جعل من تبعيضية وارتكاب التغليب فى الآية أحسن لفوات نكتة التغليب المذكور على الوجه الثانى، وفوات وصفها بجهات الفضل؛ لأن كونها من أعقاب الأنبياء الكرام القانتين لا يستلزم كونها قانتة، والغرض وصفها بالحسب أى:

بالفضل والصلاح لا بالنسب.

(قوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) اعترض بأن هذا من قبيل الالتفات لا من قبيل التغليب؛ وذلك لأن قوم اسم ظاهر غائب، فلما عدل عنه إلى الخطاب فى تجهلون فقد تحقق الالتفات، وأجيب بأنا لا نسلم أنه من الالتفات؛ وذلك لأن لفظ قوم له جهتان جهة غيبة وجهة خطاب ومراعاة كل منهما جرى على مقتضى الظاهر فلا يكون التفاتا؛ وذلك لأن قوما اسم ظاهر غائب، وقد حمل على أنتم فصار عبارة عن المخاطبين ثم إنه وصف بتجهلون اعتبارا لجهة خطابه الحاصلة بحمله على أنتم وترجيحا لها على جهة غيبته الثابتة له فى نفسه؛ لأن الخطاب أشرف وأدل وجانب المعنى أقوى وأكمل، وهذا فى الحقيقة اعتبار لجانب المعنى وترجيح له على جانب اللفظ وبهذا القدر لا يتغير الأسلوب ولا يتحقق النقل من طريق إلى طريق آخر الذى هو الالتفات، وبهذا يتضح صحة أنه من التغليب على ما فى الشارح.

قال ابن جماعة: وفى جعل هذا من التغليب نظر، إذ هذا من ملاحظة المعنى وترجيحه على اللفظ، ومثل هذا لا يعد تغليبا، إذ لا يصدق على هذا ضابطه المتقدم عن صاحب البيان أعنى: ترجيح أحد المعلومين على الآخر فى إطلاق لفظه عليهما- فتأمل.


(١) النمل: ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>