ذكر الله بصفات الجلال، وأنه القاهر فوق عباده، المنفرد بالقدرة والسلطان والقوة والجبروت - وجلت قلوبهم. وإذا تليت عليهم آياته، وفقهوا ما في ثناياها من معان وأحكام، وبشارة ونذارة، ووعد ووعيد، وعظات وأمثال - قوي يقينهم بالله، وأقبلوا على ما فيه رضاه، وأعرضوا عما يسخطه، ولا يرضاه كما يشير إليه قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(٢٠٤) سورة الأعراف.
فإن الأمر بالاستماع والإنصات عند قراءته في الصلاة وخارج الصلاة أمر صريح، وقد جعله الله مناط الرحمة؛ ليُعلم أن اللغو عند قراءته والتصدية والمكاء، والجَلَبة والضوضاء من موانع الرحمة، ونعوذ بالله ممن يضل سعيه، فيحول بعمله بين نفسه ورحمة ربه.
فأين نحن الآن من أسلافنا؟ وهم القدوة في الهدى، وقد اتخذنا القرآن أغاني فالقارئ يفنن في النغم والتلحين، ويخرج به عن سنن الترتيل وقواعد التجويد، ويعيد الآية عند استحسان السامعين للنغمة وطلبهم الإعادة، والسامع يستخفُّه الطرب، لا من معاني القرآن، بل من حسن التوقيع وموسيقى الشيطان، وأفانين الألحان؛ فيصيح في نهاية الآيات بكلمات الاستحسان، والثناء على القارئ والدعاء له، وطلب الإعادة منه، وغير ذلك مما يستحي المؤمن الوقور من ذكره، وكثيراً ما يكون ذلك في بيوت الله التي شرفها الله تعالى بإضافتها إليه، وجعل لها حُرمةً، وللدخول فيها والمكث بها آداباً وسنناً.
وكيف نرجو الثواب، ونقصد التعبدَّ بالقراءة والسماع؟ والأمر على ما وصفنا: من حركات طائشة، وكلمات مرذولة، وصياح وضوضاء، واستحسان للنغمات، وإغراء بالمزيد منها، وطلب الإعادة للآية لحسن التوقيع، وانتهاكٍ لحرمة