من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، قال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(١٤) سورة المطففين. قال العلماء: هو الذنب بعد الذنب حتى يطبع على قلب صاحبها فيكون من الغافلين، ويحرم من العلم؛ ولذلك قال الله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(٢٤) سورة محمد. فينبغي لمن أراد أن يتدبر القرآن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي (وبخاصة التي تتعلق بأدوات ووسائل التدبر: القلب والسمع واللسان والبصر. فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق قال تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (٢٥) سورة الأنعام. وقال تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}(٥) سورة فصلت.
فذكر الله غطاء القلب وهو الأكنة، وغطاء الأذن وهو الوقر، وغطاء العين وهو الحجاب، فالحجاب يمنع من رؤية الحق، والأكنة تمنعه من فهمه، والوقر يمنعه من
سماعه) (١).
لما جلس الإمام الشافعي - رحمه الله - بين يدي الإمام مالك - رحمه الله -، وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه؛ فقال له:(إن الله - تعالى - قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية).