للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة، المجدبة، الهامدة، بالغيث الهتان، الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويلج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال) (١).

ثانياً: تدبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقرآن الكريم

لقد بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدرجة العليا، والمقام الأسمى، في تدبر القرآن الكريم، وهذه بعض حالاته مع القرآن من صحيح السنة النبوية:

عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اقرأ عليَّ القرآن " فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أُنْزِل؟ قال: " إني أحب أن أسمعه من غيري". فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}، قال: " حسبك الآن ". فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان) (٢).

عن عطاء قال: (دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة - رضي الله عنها - فقال ابن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فبكت، وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: " يا عائشة! ذريني أتعبد لربي "، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام، فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجْره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٣١٠ - ٣١١) بتصرف.
(٢) رواه البخاري حديث رقم (٤٥٨٢)، انظر فتح الباري (٨/ ٩٩) طبعة الريان.

<<  <   >  >>