قوله:{وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ} , وهؤلاء قد دل الكلام على أن الله لم يعلم فيهم خيراً فلم يسمعهم إذن (لو) يدل على عدم الشرط دائماً وإذا كان الله ما علم فيهم خيراً فلو أسمعهم لتولوا وهم معرضون بمنزلة اليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا وهم (الصنف الثالث).
ودلت الآية على أنه ليس لكل مَنْ سمع وفقه يكون فيه خير بل قد يفقه ولا يعمل بعلمه فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خيراً، ودلت أيضاً على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير، فإنه هو الذى ينتفع به، فأما مَنْ ليس ينتفع به فلا يطلب تفهيمه.
و (الصنف الثالث) من سمع الكلام وفقهه لكنه لم يقبله ولم يطع أمره كاليهود الذين قال الله فيهم: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}(٤٦) سورة النساء.
وقال تعالى:{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(٧٥) سورة البقرة. إلى قوله:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}(٧٨) سورة البقرة. أي تلاوة.
فهؤلاء من الصنف الأول الذين يسمعون ويقرءون ولا يفقهون ولا يعقلون إلى قوله:{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ}(٨٨) سورة البقرة.
كما قال فى تلك الآية:{لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}(٤٦) سورة النساء.