للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذلك هو الاستماع الذي يحبه الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه ولا يشغلها فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحضر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما فهم.

قال سفيان بن عيينة: أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر (١).

فإذا استمع العبد إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بنية صادقة كما يحب الله أفهمه الله كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً، وكان من أهل البشارة التي أمر الله نبيه أن يبشر بها: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (١٨) سورة الزمر، وهكذا شهد الله لمن يحسن الاستماع إلى كتابه بالهداية والعقل، وذم الذين يسيئون الاستماع إلى الوحي وحكم عليهم بالضلال وشبههم بالأنعام، فقال {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} (١٦) سورة محمد. وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (٣٧) سورة ق. أي: أنه وجه سمعه، وأصغى حاسته إلى ما يتلى من الوحي وقلبه حاضر يفهم ما تسمعه الأذن، فإن السماع مع غفلة القلب سماع الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} , وهكذا تضمنت هذه الآية شروط الانتفاع بالقرآن والتأثر به وإفادتها السامعين بأوجز لفظ وأبينه وأدله


(١) رواه الدارمي (١/ ١٠٧) بلفظ (يراد للعلم الحفظ والعمل والاستماع والإنصات والنشر). طبعة دار الريان.

<<  <   >  >>