للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُه مُلْكُكُم، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

وفي رواية أخرى أن عتبه استمع حتى جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (١٣) سورة فصلت فقام مذعوراً، فوضع يده على فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنشدك الله والرحم! وذلك مخافة أن يقع النذير، وقام إلى القوم فقال ما قال (١).

ومن هذا المنطلق - ألا وهو تأثير القرآن على النفوس، وسيطرته علي القلوب - بدأ الكفار والمشركون يخططون لصرف الناس عن استماع القرآن، حتى لايحولهم من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور، فإذا بهم يتواصون فيما بينهم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ساحر، وأن قوله سحر يفرق بين الناس فلا يسمعوا منه شيئًا


(١) (إسناده حسن) أخرجه ابن إسحق في المغازي (١/ ١٨٥) من سيرة ابن هشام بسند حسن عن محمد ابن كعب القرظي مرسلاً، ووصله عبد بن حميد وأبويعلى البغوي من طريق أخرى من حديث جابر - رضي الله عنه - تفسير ابن كثير (٤/ ٩٠ - ٩١) وسنده حسن إن شاء الله. قاله العلامة الألباني في تخريج فقه السيرة ص (١١٦).
وقال صاحب المنهج الحركي للسيرة النبوية في التعليق على حديث عتبة وموقف النبي - صلى الله عليه وسلم - معه: (لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحترم خصمه، ويتكلم معه بأدب بالغ، وتقدير جم، ويكنيه بكنيته، وبذلك يعلمنا أدب الحوار. وأهم نقطه فيه أن يتسع صدرنا لاستماع وجهة نظر الخصم، مهما كانت وجهة النظر هذه مرفوضة أو مقبولة عندنا، سامية أو منحطة لأننا بذلك نضمن أن يستمع خصمنا لنا، ويتسع صدره لوجهة نظرنا، وما لم نملك هذه الخاصية الهامة، فلن نربح الحوار مع عدونا .. (.

<<  <   >  >>