للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوانه، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (١).

وفي أثناء هذه الشدائد العظام كأني بسورة البقرة وآل عمران تأتيان في صورة سحابة عظيمة تظلان صاحبهما، وكأني بالقرآن يجيء يوم القيامة كالرجل الشاحب (٢)، يأتي وقد أخذ بيد صاحبه ليشفع له عند الله ويقول يا رب إني أشهد لهذا الرجل بالصلاح والتقى، فقد كان في الدنيا لا يشغله شيء عن ذكرك وتلاوة كتابك، فقد كان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك، يا رب لقد منعته من النوم بالليل فشفعني فيه، وعندها يأذن الله - جل وعلا - للقرآن أن يشفع في صاحبه في تلك اللحظات التي يتخلى فيها عن الإنسان أقرب الناس إليه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (٣٤ - ٣٧) سورة عبس.

فيا حسرة على أولئك المحرومين الذين حرمهم الله من شفاعة القرآن لأنهم حرموا أنفسهم من تلاوته في الدنيا، فالجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً.


(١) البحر الرائق في الزهد والرقائق لأحمد فريد ص (٢٨٨).
(٢) عن بريدة بن الحصيب مرفوعاً بلفظ (يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول لصاحبه أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت هواجرك) رواه الدارمي وابن ماجة وأحمد وابن عدي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، قال الألباني: (لكن الحديث حسن أو صحيح فإن له شاهداً) راجع السلسلة الصحيحة (٢٨٢٩).

<<  <   >  >>