وفيه نظر لأن الكلام إنما هو في يد المعطي، والمعطي من الآدميين، والنسبة إلى الله تعالى وكون يده المعطية إنما هو مجاز (١) لكونه المالك لكل شيء المسخر للمعطي، وكون يده الآخذة باعتبار القبُول، وفسر بعضهم اليد العليا بيد المتعفف ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلًا، وعلوها معنويّ، وبعضهم هي يد الآخذ بغير سؤال.
قال ابن حبان (٢): اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال، وقال الحسن البصري:"اليد العليا المعطية والسفلى المانعة"، وآخرون من المتصوفة قالوا (أ): إن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقًا، وقال ابن قتيبة: وقد حُكي ذلك عن قوم، ثم قال:"وما أرى هؤلاء إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة". قال المصنف -رحمه الله تعالى (٣) -: "وقرأت في مطلع الفوائد للعلامة جمال الدين بن نباتة قال: "اليد العليا هي النعمة"، والمعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة، قال: وهذا حث على التكارم بأوجز لفظ فلو أراد إعطاء ألف فصرفه في واحد لظهر عليه أثر العطية خير من صرفه في ألف واحد".
وقد عرفت في تفسير الحديث من الروايات الصحيحة ما تضمحل عنده هذه التمحلات، ويؤيد ذلك ما أخرج إسحاق في "مسنده" أن حكيم بن حِزَام قال: يا رسول الله ما اليد العليا؟، قال: التي تعطي ولا تأخذ" فقوله: "ولا تأخذ" صريح في أن الآخِذَة ليست بعليا، والله أعلم.
وقوله: "وابدأ بمَنْ تعول": فيه دلالة على تقديمه نفقة نفسه