وكان يقول: أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة، وروي أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرًا وقرب من بيوتها ترجل ومشى تأكيدًا منشدًا:
ولما رأينا رسم مَنْ لم يدع لنا ... فؤادًا لعرفان الرسوم ولا لبا
نزلنا على الأكوار نمشي كرامة ... لما بان عنه أن يلم به ركبا
وحكي عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنشأ متمثلًا:
رفع الحجاب لنا فلاح لناظري ... قمر تقطع دونه الأوهام
وإذا المطي بنا بلغن محمدًا ... فظهورهن على الرحال حرام
قربننا من خير من وطئ الثرى ... فلها علينا حرمة وذمام
وما أحسن ما قاله القاضي في الشفاء:"وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل وتردد بها جبرائيل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح واشتملت تربتها على جسد سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين ومتبوأ خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة وأين فاض عبابها، وموطن مهبط الرسالة، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها":
يا دار خير المرسلين ومَنْ به ... هدي الأنام وخص بالآيات
عندي لأجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات
وعلي عهد إنْ ملأت محاجري ... من تلكم الجدران والعرصات