الإجماع" (١): كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة حاشا القِراض فما وجدنا له أصلًا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي يقطع به أنَّه كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلم به وأقره، ولولا ذلك لما جاز. وقال في "نهاية المجتهد وغاية المقتصد" (٢)، ومثله في "البحر" أنَّه لا خلاف بين المسلمين في جواز القِراض، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام، وهي نوع من الإجارة إلا أنَّه عفي فيها جهالة الأجرة، وكانت الرخصة في ذلك لموضع الرفق بالناس، ولها أركان وشروط، فأركانها العقد بالإيجاب أو ما في حكمه، والقبول أو ما في حكمه، وهو الامتثال بين جائزي التصرف، إلا من مسلم لكافر، على مال نقد عند الجمهور، خلافًا لابن أبي ليلى، فجوز ذلك في العروض، وظاهره أنَّه يجوز أن يقارض الغير على أن يبيع له الثوب ويكون الربح بينهما، ويكون هذا من باب القراض، وإن كان كلامه يحتمل أنَّه يأمر العامل ببيع ذلك العرض ويكون ثمنه رأس مال القراض، وهذا أجازه أيضًا الهدوية.
ولها أحكام مجمع عليها؛ فمنها أن الجهالة مغتفرة فيها، وأنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعدّ، وأنها تصح بالدراهم والدنانير المضروبة، واختلفوا في غير المضروب، واختلفت الرواية عن مالك؛ فروى أشهب المنع مطلقًا، وروى ابن القاسم الجواز إلا في المصوغ، والمانع شبَّهها بالعروض، والمجوز شبهها بالنقد والفلوس، منع ذلك فيها الهدوية وابن (أ) القاسم من المالكية، وأجازه أشهب ومحمد بن الحسن
(أ) زاد في النسخ: أبي. والمثبت من بداية المجتهد ٧/ ٤٩٤.