للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في هذه القصة: فلم ينزل حتى ضربت عنقه وما استتابه (١). إلا أن الرواية التي لم يذكر فيها الاستتابة لا تعارض ما ذكرت فيها الاستتابة، ولعل معاذًا قد كان بلغه استتابة أبي موسى له.

وقد ذهب الجمهور إلى وجوب الاستتابة، واستدل ابن القصار لذلك بالإجماع السكوتي؛ لأن عمر كتب في أمر المرتد: هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، لعله يتوب فيتوب الله عليه (٢). قال: ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (٣).

وذهب الحسن وطاوس وأهل الظاهر، ونقله ابن المنذر (٤) عن معاذ وعبيد بن عمير -وأشار إليه البخاري، فإنه ذكر البخاري في الباب الآيات التي لا ذكر للاستتابة فيها- إلى أنه لا يستتاب المرتد وأنه يقتل في الحال، قالوا: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه". وبهذه، قصة معاذ. قال الطحاوي: ذهب هؤلاء إلى أن حكم المرتد حكم الحربي الذي بلغته الدعوة، فإنه يقاتل من قبل أن يدعى، قالوا: وإنما تشرع الدعوة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة، وأما من خرج عن بصيرة فلا. ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم، لكن قال: إن جاء مبادرًا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله. وعن ابن عباس وعطاء: إن كان أصله مسلمًا لم يستتب، وإلا استتيب (٥).


(١) أبو داود ٤/ ١٢٦ ح ٤٣٥٧.
(٢) ينظر سنن سعيد بن منصور ٢/ ٢٢٥ ح ٢٥٨٥، والبيهقي ٨/ ٢٠٦.
(٣) الآية ٥ من سورة التوبة.
(٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣/ ١٥٦، ونقل فيه هذا القول عن عبيد بن عمير وطاوس.
(٥) مصنف عبد الرزاق ١٠/ ١٦٤ ح ١٨٦٩٠.