للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: "الحياء من الإيمان". ذكر ابن التين (١) عن أبي عبد الملك، أن المراد به كمال الإيمان. وقال أبو عبيد الهروي (١): معناه أن المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له تقية، فصار كالإيمان القاطع بينه وبين المعاصي. وقد جاء في الحديث: "إن الحياء خير كله" (٢)، و"لا يأتي إلَّا بخير" (٣).

واستشكل عمومه بأنه قد يحمل صاحبه على ترك إنكار المنكر والإخلال ببعض الحقوق، وأجيب بأن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيًّا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيًّا، بل هو عجز ومهانة، وإنَّما يطلق عليه حياء لمشابهته الحياء الشرعي، وقد يجاب عنه بجواب أحسن؛ وهو أن من كان الحياء من خلقه فالخير فيه أغلب، أو أنَّه إذا كان الحياء من خلقه كان الخير فيه بالذات ولا ينافيه حصول التقصير في بعض الأحوال. قال القرطبي (٤): وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد جُمع له النوعان من الحياء المكتسب والغريزي، فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وكان في المكتسب في الذروة العليا - صلى الله عليه وسلم -.

وجعْلُه من الإيمان مجاز، قال ابن قتيبة (٥): معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان فيسمى إيمانًا، كما يسمى الشيء


(١) الفتح ١٠/ ٥٢٢.
(٢) مسلم ١/ ٦٤ ح ٦١، ٣٧، وأبو داود ٤/ ٢٥٣ ح ٤٧٩٦.
(٣) البخاري ١٠/ ٥٢١ ح ٦١١٧، ومسلم ١/ ٦٤ ح ٣٧/ ٦٠.
(٤) الفتح ١٠/ ٥٢٢، ٥٢٣.
(٥) تأويل مختلف الحديث ص ٢٣٧.