للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وأما المعقول: وهو أن المجتهد مأمور بالاجتهاد، حتى يحرم عليه تقليد غيره، والأمر بالاجتهاد لم يكن لعينه، فإن عينه غير مقصود، وإنما المقصود هو العمل بما (١) يؤدي إليه اجتهاده - فلا يخلو: إما إن كان مأموراً بالعمل بما هو عند الله تعالىَ من الحق المعين وأمر بطلبه بالاجتهاد، أو كان مأموراً بما يؤدي إليه ظاهر اجتهاده. والأول باطل، فإنه تكليف ما ليس في الوسع، فإن، عند بعض أصحابكم، عليه دليلاً من حيث الغالب، لا دليل قطعي (٢). وعند بعضكم: عليه دليل قطعي لكن في غاية الخفاء والدقة، لا يقف عليه المجتهد بطريق القطع، فلا يمكن القول بتكليف العمل بغير وجوب العمل بما أدى إليه اجتهاده من حيث الغالب. وإذا كان هذا واجب العمل، يكون صوابًا, لأن الله تعالى لا يأمر إلا بما هو حق وصواب.

وأما الأحكام: فإن القاضي متى قضى في فصل مجتهد فيه بالاجتهاد، فإنه يكون مصيبًا في قضائه ظاهرًا وباطناً، حتى لا يجوز لقاض آخر أن ينقض ذلك. وكذا من تحرى وصلى إلى جهة بالتحري والاجتهاد ثم تبين أنه صلى مستدبر الكعبة فإنه يجزيه ولا يلزمه الإعادة، ولولا أن المجتهد مصيب في اجتهاده وإلا لوجب عليه الإعادة. وكذا القاضي يقضي بتقدير نفقة الزوجات والمحارم بالاجتهاد. وكذا يقضي بالتعزير فيما ليس فيه حد مقدر. وكذا يقضي بحكومة العدل فيها ليس فيه أرش مقدر، ثم إذا جاء قاض آخر يجوز أن يقضي بخلاف الأول. وكل ذلك جائز: لولا أن كل مجتهد مصيب، وإلا لما جاز.

وجه قول أهل السنة: إجماع الصحابة، والسنة، والمعقول:

- أما الأول، فإن الصحابة أجمعوا على جواز القياس، مع مخالفة البعض


(١) في الأصل: تشبه أن تكون كذلك أو "ما".
(٢) لعل الأفضل أن يقال: "لا دليلا عقليًا".