للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل تحرمُ الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا تحرمُ بل تجبُ، فإن الصَّلاةَ لا تصحُّ إلا بها، وكما جازت الصلاةُ للضرورة تجوزُ القراءة.

والثاني تحرمُ، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها مَن لا يُحسن شيئاً من القرآن.

وهذه فروعٌ رأيتُ إثباتها هنا لتعلقها بما ذكرتُه، فذكرتها مختصرة وإلا فلها تتمّات وأدلة مستوفاة في كتب الفقه، والله أعلم.

فصل:

ينبغي أن يكون الذاكرُ على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القبلة وجلس مُتذلِّلاً مُتخشعاً بسكينة ووقار، مُطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهةَ في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل.

والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: (إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات لأولي الألباب.

الذين يذكرون الله قياما وَقُعوداَ وَعلى جُنوبِهمْ وَيَتَفكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ.) [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١] .

١٠ - وثبت في (الصحيحين) ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية: (ورأسه في حجري وأنا حائض) .

وجاء عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: (إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةٌ على السرير) .

فصل:

وينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خالياً (١) نظيفاً، فإنه أعظمُ في احترام الذكر المذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة.

وجاء عن الإِمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: (لا يُذكر اللَّهَ تعالى إلاَّ في مكان طيّب) وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تغيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ ولا يَحرمُ، ولو قرأ القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا: أصحُّهما لا يَحرم.

فصل:

اعلم أن الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال إلا في أحوال وردَ الشرعُ باستثنائها نذكرُ منها هننا طرفاً، إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى، فمن ذلك: أنه يُكره الذكرُ حالة ض الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة النعاس.

ولا يُكره في الطريق ولا في الحمَّام، والله أعلم.

فصل:

المرادُ من الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر فيحرص


(١) أي: عن كلِّ ما يشتغل البال ويحصل من وجوده الاشتغال والوسواس.
(*)

<<  <   >  >>