رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعاً يُغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام.
ومما أنشدوه في هذا المعنى: وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ * كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ * شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ
(بابُ بَيانِ ما يَدْفَعُ به الغيبةَ عن نفسِه)
اعلم أن هذا الباب له أدلةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، ولكني أقتصرُ منه على الإِشارة
إلى أحرف، فمن كان موفَّقاً انزجرَ بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات.
وعمدة الباب أن يعرضَ على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول الله تعالى: (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: ١٨] وقوله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: ١٥] .
١٠٣٩ - وما ذكرناه من الحديث الصحيح " إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله تعالى ما يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم " وغير ذلك مما قدّمناه في " باب حفظ اللسان " " وباب الغيبة "، ويضمّ إلى ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر إليّ.
وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغَ قدرُك عندي أن أحكِّمَكَ في حسناتي.
وروينا عن ابن المبارك رحمه الله قال: لو كنتُ مُغتاباً أحداً لاغتبتُ والديّ لأنهما أحقُّ بحسناتي.
(بابُ بَيانِ ما يُبَاحُ مِن الغِيبَة)
اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة فإنها تُباح في أحوال للمصلحة.
والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب.
الأوّل: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه، فيذكرُ أن فلاناً ظلمني، وفعل بي كذا، وأخذ لي كذا، ونحو ذلك.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.