وقال الرِّيَاشِيُّ رحمه الله: لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلاً * لِنَفْسِي عن ذنوب بني أُمَيَّة على ربِّي حِسَابُهمُ إليه * تَنَاهَى عِلمُ ذلكَ لا إِليَّهْ وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ * إذا ما اللَّه أصلحَ ما لديه
(بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة)
اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس، حتى ما يسلمُ
منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما بدأتُ بهما.
فأما الغيبة: فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه أو، دنياه أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته وبشاشته وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ، أو أشرتَ إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك أو نحو ذلك.
أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل أسود، أصفر.
وأما الدِّيْنُ، فكقولك: فاسق، سارق خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضعُ الزكاة مواضعَها، لا يجتنبُ الغيبة.
وأما الدنيا: فقليلُ الأدب، يتهاونُ بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثيرُ الكلام، كثيرُ الأكل أو النوم، ينامُ في غير وقته، يجلسُ في غير موضعه.
وأما المتعلِّق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو نبطي، أو زنجي، إسكاف، بزاز، نخاس، نجار، حداد، حائك.
وأما الخلق، فكقوله: سيئ الخلق، متكبّر، مُرَاء، عجول، جبَّار، عاجز، ضعيفُ القلب، مُتهوِّر، عبوس، خليع، ونحوه.
وأما الثوب: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وسخ الثوب ونحو ذلك، ويُقاس الباقي بما ذكرناه.
وضابطُه: ذكرُه بما يكره.
وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذكرُك غيرَك بما يكرَهُ، وسيأتي الحديث الصحيح المصرِّح بذلك.
وأما النميمة: فهي نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد.
هذا بيانهما.
وأما حكمهما، فهما محرّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما