للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سائر الصلوات، هذا هو المذهب الصحيح المختار، ولنا فيه هنا خلاف ضعيف تركته لعدم الحاجة إليه في هذا الكتاب.

ولو جاء مسبوقٌ فأدرك الإِمامَ في بعض الصلاة، أحرمَ معه في الحال، وقرأ الفاتحة ثم ما بعدها على ترتيب نفسه، ولا يُوافق الإِمام فيما يقرؤه، فإن كبَّرَ، ثم كبَّرَ الإِمامُ التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكن المأموم من الذكر، سقطَ عنه كما تسقط القراءةُ عن المسبوق في سائر الصلوات، وإذا سلَّمَ الإِمامُ وقد بقي على المسبوق في الجنازة بعضُ التكبيرات، لزمه أن يأتي بها مع أذكارها على الترتيب، هذا هو المذهبُ الصحيح المشهور عندنا.

ولنا قولٌ ضعيفٌ إنه يأتي بالتكبيرات الباقيات متواليات بغير ذكر، والله أعلم.

(بابُ ما يقولُه الماشي مع الجَنَازة)

يُستحبّ له أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى، والفكر فيما يلقاه الميت، وما يكون مصيرُه، وحاصلُ ما كان فيه، وأن هذا آخرُ الدنيا ومصيرُ أهلها، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من الحديث بما لا فائدةَ فيه، فإن هذا وقتُ فِكر وذكر تقبحُ فيه الغفلةُ واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلامَ بما لا فائدة فيه منهيٌّ عنه في جميع الأحوال، فكيف هذا الحال.

واعلم أن الصوابَ المختارَ ما كان عليه السلفُ رضي الله عنهم: السكوتُ في حال السير مع الجنازة، فلا يُرفع صوتا بقراءة، ولا ذكر، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكنُ لخاطره، وأجمعُ لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوبُ في هذا الحال، فهذا هو الحقّ، ولا تغترّنّ بكثرة من يُخالفه، فقد قال أبو عليّ الفُضيل بن عِياض رضي الله عنه ما معناه: الزمْ طرقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين.

٤٦٤ - وقد روينا في " سنن البيهقي " ما يقتضي ما قلته " (١) .

وأما ما يفعله الجهلةُ من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن موضوعه، فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكّن من إنكاره، فلم ينكره في كتاب " آداب القرّاء " والله المستعان، وبه النوفيق.


(١) قال ابن علاّن في شرح الأذكار: قال في " الخلاصة " - يعني المصنف - عن قيس بن عبادة: كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَكرهون رفع صوت عند الجنائز وعند القتال وعند الذكر، قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث موقوف صحيح أخرجه أبو داود والحاكم.
(*)

<<  <   >  >>