وتكتسب الدولة القومية العلمانية قدراً كبيراً من شرعيتها من التاريخ والتراث المشترك (الحقيقي أو الوهمي) لمجموعة البشر التي تعيش داخل حدودها، ولذا طالبت الثورة الليبرالية البورجوازية، والدولة القومية، أعضاء الجماعات اليهودية، وغيرهم من الجماعات، بأن يتخلوا عن خصوصيتهم الإقطاعية شبه القومية وأن يكتسبوا هوية عصرية متجانسة تعبِّر عن هذا التراث المشترك بين أعضاء المجتمع. وقد قال أحد خطباء الثورة الفرنسية في ديسمبر سنة ١٧٨٩:" نحن نرفض أن نمنح اليهود كأمة أي شيء، أما اليهود كأفراد فإننا نمنحهم كل شيء ". وتم إعتاق أعضاء الجماعات اليهودية في معظم أنحاء أوربا، وبدأت عملية تحديثهم بحيث تم القضاء على تميزهم وتمايزهم الوظيفي والاقتصادي. وقد استجاب أعضاء الجماعات اليهودية لهذا النداء الذي شكَّل تياراً تاريخياً أفرز تحولاته الاجتماعية، خصوصاً وأن اليهودية الحاخامية (وهي الإطار الفكري ليهود أوربا) كانت في حالة أزمة حادة منذ دعوة شبتاي تسفي المشيحانية وظهور الحسيدية، فقامت بينهم حركة التنوير اليهودية الداعية إلى الاندماج. كما ظهرت اليهودية الإصلاحية التي حاولت تخليص اليهودية من الجوانب القومية فيها، وهي الجوانب التي تدعم ما يُسمَّى «الخصوصية اليهودية» ، وتأكيد الجوانب الدينية الروحية حتى يتحقق للمواطن اليهودي الانتماء القومي الكامل والاندماج السوي. وقد حقق أعضاء الجماعات اليهودية بالفعل قسطاً كبيراً من الاندماج في فرنسا وإنجلترا.
وقد اتسمت محاولات الاندماج في بلدان شرق أوربا ووسطها بالبطء والتعثر بسبب ظهور القوميات العضوية فيها وبسبب سرعة معدل تَطوُّر الرأسمالية المحلية، الأمر الذي لم يتح لأعضاء الجماعات اليهودية الذين كانوا يلعبون دور الجماعة الوظيفية الوسيطة فرصة للتَأقلُم والتَكيُّف.