الغربية وتَزايُد معدلات العلمنة بينهم، وانفكاك قبضة المؤسسة الحاخامية التقليدية، تَملَّك أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب في العصر الحديث ناصية العلوم الحديثة، فظهر العلماء وظهر الحس النقدي، وظهر الإحساس بالنكتة.
ومما تَجدُر ملاحظته أن كثيراً من الأدبيات الصهيونية والغربية، حينما تتحدث عن الشخصية اليهودية أو الهوية اليهودية، تشير عادةً إلى تجربة تاريخية محددة هي تجربة يهود اليديشية، أي الجماعة اليهودية في شرق أوربا والتي كانت تشكل جماعات وظيفية يتحدث أعضاؤها اليديشية، ويعيشون في الظروف الاقتصادية والاجتماعية نفسها، وفي المحيط الحضاري السلافي (المسيحي) نفسه، وهو ما أفرز شخصية يهودية شرق أوربية يمكن أن تُسمَّى «الشخصية اليديشية» تتحدد ملامحها لا من خلال تشكيل تاريخي يهودي عالمي وإنما من خلال التشكيل الحضاري الشرق أوربي. وقد أكد آرثر روبين في كتابه اليهود في الوقت الحاضر أن كلمة «يهودي» تعني بالنسبة إليه «إشكنازي» ولا تضم اليهود السفارد أو الشرقيين. ورغم أن يهود اليديشية كانوا يشكلون الغالبية الساحقة من الجماعات اليهودية في العالم في نهاية القرن التاسع عشر (حوالي ٨٠%) ، إلا أن هذا لا يجعل منهم شخصية يهودية عالمية، إذ أن هذه الشخصية اليديشية (القومية) هي ثمرة تَفاعُل الجماعة اليهودية مع المجتمع الشرق أوربي في بولندا وروسيا داخل تركيبة اجتماعية وثقافية مُحدَّدة. وينبع مشروع حزب البوند السياسي من الإيمان بوجود شخصية يهودية قومية شرق أوربية، لا شخصية يهودية عالمية، ولذا كان الحل المطروح هو تطوير هذه الشخصية اليديشية دون الانزلاق إلى أبعاد تعميمية تجريدية. وقد تبنت روسيا السوفيتية هذا الحل في نهاية الأمر بعد أن رفضه لينين في بدايته، كما تتجلى ملامحه في تجربة ببروبيجان.