ولكن هذا الانتماء الصهيوني يخبئ كثيراً من التناقضات والمفارقات. فأولاً: إذا كانت إسرائيل هي حقاً البلد الأصلي، فإن هذا يعني أنها البلد الذي هاجر المهاجر منه لا البلد الذي يهاجر إليه، أي أن الأسطورة الصهيونية في محاولة التكيف مع الواقع الأمريكي قضت على نفسها. وثانياً: يساعد هذا الانتماء الصهيوني السطحي على مزيد من الاندماج والانصهار، فهو انتماء إثني لا ديني يُفقدهم ما تبقَّى لهم من انتماء ديني. وحيث إنهم يكتسبون سماتهم الإثنية الحقيقية من مجتمعاتهم، فهم يزدادون في واقع الأمر تأمركاً وعلمنة وتظل الاختلافات بينهم وبين بقية المواطنين باهتة وطفيفة، ويصبح مضمون الحياة اليهودية الوحيد هو دفع التبرعات إلى إسرائيل وحضور المظاهرات التي ينصرف اليهودي الجديد بعدها إلى بيته الوثير في الضاحية، بعد أداء واجبه تجاه هويته اليهودية الجديدة الهشة، ليتمتع بحياة استهلاكية هنيئة ويلتهم كل أنواع الطعام، المباح وغير المباح شرعاً. وقد لاحظ بن جوريون نفسه هذا الوضع حينما ذكر أن صهيونية يهود أمريكا (والعالم الغربي) ليست إلا غطاء لعملية الاندماج السريعة. ويمكن تلخيص الموقف بالقول بأنه من منظور الهوية بين اليهود الجدد، يُوجَد سطح صهيوني لامع تزدهر فيه الهوية الإثنية الوهمية السطحية، وباطن غربي علماني تتآكل فيه الهوية الدينية أو التقليدية وتتشكل داخله الهوية اليهودية الجديدة. وإذا كان الصهاينة قد وصفوا اليهود المندمجين بأنهم المارانو الجدد (أي اليهود المتخفون، مثل يهود إسبانيا الذين اضطروا إلى التنصر، فأظهروا مسيحيتهم وظلوا في الباطن يهوداً) ، فيمكننا أن نصف اليهود الجدد بأنهم مقلوب المارانو، أي أنهم يظهرون اليهودية بطريقة صاخبة ولكنهم يبطنون العلمانية والاستهلاكية والأمريكية.