والعناصر الثلاثة الأولى تعني، في واقع الأمر، الإيمان بالمرجعية المادية الكامنة ونموذج الطبيعة/المادة، أما الرابع فهو الإيمان بعقيدة التقدم. ويضيف دويتشر أن هؤلاء المثقفين اليهود المهرطقين يعيشون على حدود الحضارات، وهذا يعمق إيمانهم بصيرورة العالم وبالتضامن الإنساني العالمي.
ويمكن القول بأن المثقفين اليهود غير اليهود لا يختلفون كثيراً عن المثقفين المسيحيين غير المسيحيين. فاليهودي غير اليهودي، هو فرد من أصل يهودي وحسب، فَقَد إيمانه بمنظومته العقيدية، وهو مع هذا لا يختلف عن المثقف من أصل مسيحي الذي فَقَد إيمانه بالعقيدة المسيحية، فالجميع يلتقي في رقعة الحياة العامة والرؤية الأممية العالمية الكوزموبوليتانية. وهذا على كلٍّ هو ميراث عصر الاستنارة الذي يسعى إلى ظهور الإنسان الأممي الذي لا يرتبط بأية خصوصيات قومية أو دينية أو طبقية، وإن ارتبط بشيء فهو شيء أممي عام مثل الحفاظ على البيئة أو مصالح الطبقة العاملة التي ستلغي كل الطبقات وتُحقِّق المجتمع الشيوعي الذي سيسير حسب قوانين الاشتراكية العلمية.
وهناك كثير من النشطاء السياسيين في الأحزاب الشيوعية والحركات الثورية الغربية من أصل يهودي، ولكنهم فقدوا علاقتهم باليهودية وتحولوا إلى ثوريين متطرفين يعملون من أجل المثل الثورية الأممية العالمية النابعة (كما يتصورون) من قوانين الحركة المادية الكامنة والتي تتبدَّى في جدلية التاريخ، ومن ثم فهي مُثُل لا تعرف أية خصوصيات. وقد جعل هؤلاء الثوريون همهم القضاء على ما تبقَّى من جيوب إثنية يهودية (يديشية في معظمها) تحت شعار دمج اليهود في مجتمعاتهم وحل المسألة اليهودية من خلال الطرح الثوري. ومن أهم هذه الشخصيات فرديناند لاسال وكارل ماركس وروزا لوكسمبورج وليون تروتسكي وإيسنر كورت وبيلا كون وراكوس ماتياس وأرنو جيرو ورودولف سلانسكي وآنا بوكر.