ويتمثل أحد أهداف الحركة الصهيونية في تشجيع اليهود على الاشتغال بالزراعة لتطبيعهم. ولكن الزراعة الصهيونية كانت ذات طابع شبه عسكري لأنها تُوطِّن اليهود على أرض يشغلها شعب آخر، فالزراعة (هنا) هي إحدى آليات الاستيطان الإحلالي والتي تتجسد في بناء المزارع الجماعية والكيبوتسات التعاونية والموشافات، وفي طريقة تحديد مواقعها، أي أن الزراعة في الإطار الصهيوني لم تَعُد الآلية المُستخدَمة في تحويل أعضاء الجماعات اليهودية من جماعات وظيفية إلى أعضاء في مجتمع، وإنما هي آلية تحويلهم من جماعة وظيفية مالية إلى جماعة وظيفية استيطانية قتالية. ورغم كل الادعاءات الصهيونية بشأن نجاح الصهاينة في تطبيع اليهود، فإن نسبة عدد اليهود العاملين بالزراعة في الوقت الحالي لا تختلف كثيراً عن عدد من كان يعمل منهم بالزراعة في روسيا في عام ١٨٨٢، أي قبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وهو عدد، على أية حال، آخذ في التناقص، مع تغلغل العمالة العربية في القطاع الزراعي من الاقتصاد الإسرائيلي. ومع هذا، كان عدد اليهود الذين يعملون بالزراعة في العالم عام ١٩٣٥، حسب تقديرات روبين، حوالي ٦٠٠.٠٠٠، أي ٣.٦% من مجموع يهود العالم البالغ عددهم نحو ستة عشر مليوناً، أكثر من نصفهم من يهود روسيا وبولندا (٢٥٠ ألفاً في روسيا و١٠٠ ألف في بولندا) . كما ظهرت تجربة استيطانية زراعية يهودية في الأرجنتين برعاية البارون هيرش، وقد نتج عن ذلك وجود أعلى نسبة من اليهود العاملين في الزراعة في الأرجنتين عام ١٩٣٥ (٤.٣% من يهود بولندا، و٤.٢% من يهود روسيا، و٢.٢% من يهود الولايات المتحدة، بالمقارنة مع ٥.٨% من يهود الأرجنتين) . ولكن، مع حلول عام ١٩٦٠، هبطت نسبة العاملين بالزراعة بين أعضاء الجماعات اليهودية إلى ٢%، وهذا العدد يضم العاملين في القطاع الإداري في الريف.