عرفت جميع المجتمعات البشرية تقريباً ظاهرة الجماعات الوظيفية (فهي تعبير عن شيء أساسي في النفس البشرية) ، ومع هذا نميل إلى القول بأنها ظاهرة أخذت شكلاً أكثر حدة في الحضارة الغربية منها في الحضارة الإسلامية. وإذا نظرنا إلى وضع الجماعات اليهودية في الحضارة الإسلامية، بالمقارنة بالحضارة المسيحية الغربية، فإننا نجد أن عملية الحوسلة بالنسبة لهم لم تتم على نفس المستوى ولا بنفس الحدة، وأن تركيبتهم الطبقية والمهنية لم تكن تختلف كثيراً عن تركيبة بقية أعضاء المجتمع. كما يمكن أن نضرب مثلاً بأقباط مصر، فرغم أنهم يشكلون الأقلية العددية الهامة الوحيدة في المجتمع المصري (فالنوبيون وسكان الصحراء لا يشكلون قوى اجتماعية أو بشرية مهمة) إلا أننا نجد أن خطابهم الحضاري لا يختلف عن الخطاب الحضاري للمسلمين، كما أنهم لا يختلفون عنهم لا في الزي ولا في اللغة ولا في العادات أو التقاليد ولا في الانتماءات الطبقية أو في التَوزُّع الوظيفي أو السكاني. ومما لا شك فيه أن بعض قطاعات من أقباط مصر تمت حوسلتها في وظائف بعينها (مثل الربا في بعض قرى مصر، أو جمع القمامة لارتباط ذلك بتربية الخنازير) ، إلا أن الحوسلة لم تكن كاملة أو جوهرية بل ظلت هامشية، وظل أقباط مصر جزءاً لا يتجزأ من مجتمعهم لا يمكن التعرف عليهم إلا من خلال أسمائهم المتميِّزة في بعض الأحيان.