للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ ـ إسقاط عناصر عدم التجانس بين الجماعات اليهودية المختلفة وعناصر الاختلاف والصراع بين أعضائها وإسقاط واقع انقسامهم إلى طبقات وجماعات مختلفة، فيصبح اليهود كلاًّ واحداً متجانساً يُسمَّى «الشعب اليهودي» أو «اليهود» .

ولنضرب مثلاً على هذه العمليات الفكرية الاختزالية الأربع بالتهمة التي عادةً ما توجَّه إلى أعضاء الجماعات اليهودية، أي الاشتغال بالرقيق الأبيض كقوادين أو بغايا. وهذه حقيقة مادية وإحصائية، ففي الفترة من ١٨٨١ وحتى ١٩٣٥ كان ثمة وجود يهودي ملحوظ في هذه التجارة المشينة. ولكن العمليات الفكرية العنصرية تركز على هذا العنصر السلبي وتعزله عن إيجابيات اليهود (فقد كانت أعداد كبيرة منهم تعمل في مهن شريفة، كما أن أعضاء الجماعات اليهودية في العالم ساهموا بكل قواهم في القضاء على هذه التجارة المشينة بين اليهود) . ومن ناحية أخرى، يُطلق أعداء اليهود هذه الصفة على كل اليهود أينما كانوا مع أن نسبة اليهود المشتغلين بهذه التجارة قد تكون أعلى من نسبة المشتغلين بها بين الأغلبية، ولكنها على أية حال كانت نسبة مئوية ضئيلة بالنسبة لعدد أعضاء الجماعة اليهودية. أما العملية الفكرية الثالثة، أي فصل اليهود عن سياقهم الاجتماعي والتاريخي، فهي أهم العمليات. وفي الواقع، فإنه لا يوجد أي ذكر للجماعات البشرية الأخرى التي اشتغلت بتجارة الرقيق الأبيض في الفترة نفسها، ولا لواقع أن الجماعات اليهودية في أوربا كانت تتمتع حتى منتصف القرن التاسع عشر بمعدلات عالية من التماسك الخلقي والاجتماعي يفوق المعدلات السائدة بين أعضاء الأغلبية، حتى أن ظاهرة الأطفال غير الشرعيين كانت غير معروفة تقريباً بينهم قبل عمليات التحديث والعلمنة التي حدث بعدها الانحلال الخلقي. أما العملية الرابعة فهي كامنة وراء العمليات السابقة كافةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>