للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولابد أيضاً من دراسة نوعية الفلسفة الاجتماعية (أو العامة) السائدة في المجتمع. فوجود فلسفة اجتماعية عنصرية في المجتمع يخلق تربة خصبة للتفجرات العنصرية. كما أن وجود فلسفات بعينها ـ كأن تكون الفلسفة العامة في المجتمع رؤية علمانية إمبريالية تتحدث عن التفوق والغزو وإرادة القوة ـ قد يساعد أيضاً على إنبات بذور الفكر العنصري الكامن.

ويمكن القول بأن الفكر العنصري يُعبِّر عن نفسه من خلال أي نسق فكري متاح في المجتمع. فعلى سبيل المثال، من الثابت أن فلسفة نيتشه زودت العنصريين وأعداء اليهود بإطار فكري يتمتع بالاحترام والمصداقية. ولكن يمكن القول أيضاً بأن العنصريين كانوا سيجدون تسويغاً لفكرهم في أي مصدر وفي أي نسق فكري متاح. ولو لم يُقدِّم نيتشه فلسفته، لوجد العنصريون تبريراً لمواقفهم من خلال أنساق فلسفية أخرى يستولون عليها ثم يقومون بتطويعها وتوظيفها لخدمة رؤيتهم وأهدافهم. وفي هذا شيء من الحق، ولكن الأفكار العرْقية المتبلورة التي تأخذ شكل أساطير مثيرة وصور إدراكية ثابتة تظل، مع ذلك، تلعب دوراً مهماً. كما أن أنساقاً فلسفية، مثل التفكير النيتشوي (الدارويني) الذي يسقط حرمة المطلقات كافة، ومنها الإنسان، يمكن أن تطوَّع لخدمة الفكر العنصري أكثر من أنساق فكرية أخرى. ولعل المناخ الفكري العام الذي ساد أوربا في القرن التاسع عشر، بحديثه عن التفوق الآري ورسالة الإنسان الأبيض والبقاء للأصلح، قد خلق ارتباطاً اختيارياً وتربة خصبة لنمو معاداة اليهود. ومن الثابت الآن أن أكثر الكتب شيوعاً آنذاك، في أوربا، كانت الكتب العنصرية. كما أن محاولة تعريف الواقع بأسره (بما في ذلك الإنسان) على أساس مادي، ساعد على نمو النظريات التي تحاول تعريف الجماعات البشرية من منظور عرْقي. ولكن النظريات المادية نظريات حتمية، فتطور المادة غير خاضع لعقل الإنسان أو اختياراته، وإذا عُرِّف الإنسان على أساس عرْقي فهذا يعني أنه يُولَد

<<  <  ج: ص:  >  >>