٦ ـ ومما ساعد أيضاً على تعثُّر عملية تحديث اليهود أن مجتمعات شرق أوربا كانت تخوض تحولات اقتصادية وسياسية عميقة بسبب سرعة معدل النمو الاقتصادي والحضاري في هذه المجتمعات، فهي مجتمعات لم تكن تمارس عملية النمو على النمط الأوربي الغربي البطيء الذي استغرق مئات السنين، وإنما كانت مجتمعات تنمو على نمط العالم الثالث، حيث تحاول الدولة القومية الجديدة أن تقوم بالثورة التجارية والقومية والاجتماعية والصناعية في وقت واحد، رغم ما قد يكون بين هذه الثورات من تناقض في الأهداف والوسائل في بعض الأحيان. كما أن معدلات النمو السريع لا تسمح بتاتاً بالعمل البطيء أو الخطأ المحتمل ومحاولة علاجه، بل تتطلب تحديد الأهداف والاندفاع نحوها. كما أن عملية التحول البطيئة تسمح لأعضاء الأقليات بأن يكتسبوا الخبرات المطلوبة للعمل في الاقتصاد الجديد، وأن يكتسبوا الهوية الجديدة الملائمة للمجتمع الجديد. ففي روسيا مثلاً، كانت المراحل الأولى للانتقال إلى الرأسمالية بطيئة نوعاً، كما أسلفنا، ولم تكن حركة شاملة بعد. غير أن النمو الرأسمالي لم يتوقف عند هذه المرحلة، بل اتسعت رقعة الصناعة لتشمل الصناعة الخفيفة أيضاً، فكان ذلك بمثابة ضربات قاضية دمرت الاقتصاد الإقطاعي ودمرت معه الفروع الرأسمالية الحرفية، حيث كان اليهود يتركَّزون بنسبة مرتفعة. وهكذا، تشابكت عملية تحويل التاجر اليهودي لما قبل الرأسمالية إلى عامل حرفي أو تاجر رأسمالي مع عملية أخرى وهي القضاء على العمل الحرفي لليهودي. ولكن الحرفي اليهودي لم يتمكن من التحول إلى عامل بسبب منافسة الفلاحين الروس المقتلَعين من مزارعهم ذات المستوى المعيشي المنخفض.