٧ ـ ومما زاد الأمور تشابكاً وتعقُّداً أن الحرفي اليهودي كان يعمل في كثير من الأحيان فيما يمكن تسمَّيته «الحرف اليهودية» التي وُلدت في الظروف الخاصة بالشتتل والجيتو اليهودي. فلم يكن الحرفي اليهودي يعمل من أجل الفلاحين المنتجين، بل كان يعمل من أجل التجار والصيارفة والوسطاء، ولذلك نجد أن إنتاج السلع الاستهلاكية هو الشاغل الرئيسي للحرفي اليهودي، ذلك لأن زبائنه يتألَّفون من رجال متخصصين في تجارة الأموال والبضائع وغير منتجين أساساً. أما الحرفي غير اليهودي، فإن ارتباطه بالاقتصاد الزراعي جعله لا يُنتج سلعاً استهلاكية، لأن الفلاح يكفي نفسه بنفسه. وهكذا، كان الحرفي غير اليهودي (الحدّاد) يوجد إلى جانب الفلاح، وإلى جانب رجل المال اليهودي كان يوجد الحرفي اليهودي (الخياط) . وقد ساعد على تطوُّر الحرفي المسيحي ارتباطه بالتاجر المسيحي الذي كان يُوظِّف أمواله في حرف متخصصة غير مرتبطة بالنظام الإقطاعي (مثل نسج الأصواف) ، وهي حرف كان الغرض منها الإنتاج للتصدير وليس للاستهلاك المباشر، أي أنها تقع خارج نطاق النظام الإقطاعي وتُمثِّل نواة الاقتصاد الجديد، وبالتالي فهي لم تسقط مع الاقتصاد القديم. وانعكس هذا الوضع على الطبقة العاملة اليهودية، فكانت الحرف الأقل قابلية للتطور إلى صناعة محصورةً في أيدي الحرفيين اليهود، على حين انحصرت المهن الأكثر قابلية لهذا التطور في أيدي الحرفيين غير اليهود. فمثلاً نجد أن ٩٩% من صانعي الأقفال كانوا من غير اليهود، في حين كان ٩٤% من الخياطين من اليهود. ويُلاحَظ أن أول الكوادر العمالية التي وُجدَت في صناعات التعدين والنسج قد تشكَّلت بصورة مطلقة من غير اليهود.