للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغربية العلمانية، وإذا ما قاموا بفصل الدين اليهودي عما يُسمَّى «القومية اليهودية» حتى يتلاءموا مع الدولة العلمانية القومية في أوربا، أي إذا قاموا بتحديث اليهود واليهودية، وتحولوا من كونهم جماعة وظيفية هامشية ليصبحوا جزءاً من البناء الطبقي والثقافي للمجتمع.

وقد ظهر من بين صفوف يهود البلاط من المارانو والإشكناز شخصيات تولت قيادة الجماعة اليهودية، وأصبح لها مكانة تفوق كثيراً مكانة الحاخامات. ولم يكن يهود البلاط، على عكس التاجر والمرابي اليهودي القديم، لا في مركز المجتمع على وجه الحصر، ولا في مسامه أو على هامشه، بل كانوا على مقربة من أعضاء الطبقة الحاكمة يتعاملون معهم ويزودونهم بالأموال ويشترون لهم التحف والسلع الترفيهية اللازمة لمظاهر أبهة الملكيات والإمارات المطلقة. وكان هذا يتطلب معرفة وثيقة لا بالاحتياجات الاقتصادية للطبقة وحسب وإنما بأسلوب حياتها أيضاً، ذلك الأسلوب الذي بدأ يهود البلاط يستوعبونه ويتأثرون به. ولكن يهود البلاط كانوا يقفون على قمة هرم مالي تجاري يهودي يضم طبقات اليهود المختلفة من كبار التجار إلى التجار البائعين والمتسولين. وكان هذا الهرم عابراً للقارات متعدد الجنسيات، يمتد بطول أوربا وعرضها وتصل أطرافه إلى الدولة العثمانية والعالم الجديد. وكان على يهودي البلاط، رغم عالميته، أن يظل يهودياً حتى يتمتع بشبكة الاتصالات هذه، وحتى يظل يلعب دوره كعضو في جماعة وظيفية وسيطة. ولهذا، كان يهود البلاط يعيشون بين العالمين المسيحي واليهودي، يتحركون بسهولة داخل الحضارة الغربية التي كانوا يعرفون لغتها، كما كانوا مُلمين بالفلسفة والعلوم والاقتصاد، ومُلمين في الوقت نفسه بالتكوين الثقافي والديني المتميز لأعضاء الجماعات اليهودية. ومن هنا، فإن القيادات الجديدة للجماعات اليهودية لم تكن يهودية ولا دينية خالصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>