وقد بدأ المارنو في إشاعة مُثُل الحضارة الغربية بين الجماعات اليهودية، كما ساهم يهود البلاط (القيادة الحقيقية للجماعات ورمز النجاح الكبير والقدوة التي تُحتذَى) في ترويج أسلوب الحياة الغربي من خلال أنفسهم ومن خلال أتباعهم والمحيطين بهم الذين تشبهوا بهم. وقد كان المارانو ويهود البلاط، كما أسلفنا، ذوي خبرة بالعالم المسيحي الذي بدأ يتعلمن، وبالعالم اليهودي الذي كان متحجراً. وفرضت عليهم خبرتهم هذه عملية المقارنة بين العالمين، وبالتالي طَرْح التساؤلات بشأن الموروث الثقافي الديني اليهودي. ولعل الاندماج النسبي لهذا العدد الكبير من اليهود، ودخولهم عالم الحضارة الغربية الجديدة والاقتداء به، جعل كثيراً من المصطلحات الدينية اليهودية (مثل النفي والشعب المختار) تفقد كثيراً من مدلولاتها بالنسبة لهم. ومعنى هذا أن يهود المارانو لعبوا دوراً مماثلاً للدور الذي يلعبه بعض مثقفي العالم الثالث الذين يذهبون إلى الغرب لتلقِّي العلم أو البحث عن الرزق، لكن بعضهم يعود إلى بلاده جسدياً وحسب إذ يكتشفون أن من العسير عليهم العودة الروحية الكاملة إلى أوطانهم بعد رحلة الذهاب. ولذا، فإنهم حينما يعودون يحملون رايات التغريب ويكونون بمنزلة معاول هدم في موروثهم الحضاري.