٤ ـ من القضايا الأخرى الأساسية في الحضارة الغربية التي وُصفت بأنها «معرفية» فكرة الجوهر وفكرة الكل. وهما في رأي البعض فكرتان مرتبطتان تمام الارتباط. فالجوهر هو الدعامة الأساسية والثابتة لكل الظواهر، وهو الناحية الأولية والكلية في الشيء. وتعتمد الظواهر على الجوهر لوجودها ولا يعتمد هو على أي شيء آخر لوجوده. ومن ثم، فإن الجوهر هو الحقيقي، وما عداه فهو وهم. والجوهر هو الباطن والوهم هو الظاهر. ولا يمكن لشيء أن يُوجَد دون جوهر، وبدونه لا يمكن أن يكون على ما هو عليه. والإيمان بفكرة الجوهر يعني الإيمان بأن ثمة ثباتاً في الواقع. وأن هناك كليات ثابتة وراء الجزئيات المتغيرة.
٥ ـ قضية الحقيقة هي الأخرى من القضايا التي تُوصَف بأنها «معرفية» : ما معيار الحقيقة؟ وقد كان الفكر الغربي حتى عصر النهضة يؤمن بنظرية التقابل بأن الحقيقي هو الشيء الذي له ما يناظره في الواقع. ثم بدأت هذه النظرية في الانحسار تدريجياً لتحل محلها نظرية التماسك، فالحقيقي هو الشيء المتماسك (بشكل عضوي) المتسق مع ذاته. وأخيراً هناك النظرية البرجماتية، وهي ترفض كلاًّ من نظريتي التقابل التماسك وترى أن الحقيقي هو ما ينجح، أي أن المنظور الوحيد هو دائماً منظور إجرائي. وهذه القضية، مثل السابقة، هي قضية ليست مقصورة على الحقل المعرفي وإنما تُناقَش أيضاً على مستوى علم الأخلاق وعلم الجمال وعلى المستوى الأنطولوجي، بل على مستوى تاريخ الأفكار وتاريخ الحضارة وفلسفة التاريخ.