والتأمل الفلسفي في الخالق يعادل حب الإله. ولكن هل يعني هذا الرغبة الصوفية في الاتحاد به؟ يقتبس ابن ميمون من سفر إرميا (٩/٢٣ ـ ٢٤) : "لا يفتخرنَّ الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرنَّ المفتخر: بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض لأني بهذه أُسر". ويُفسِّر ابن ميمون هذه الكلمات بأن الخالق يُسرُّ بمقدرة الإنسان على أن يسمو على كل ما هو متغير مثل القوة الجسدية والكمال الجسدي. ويذهب ابن ميمون إلى أن السلوك الأخلاقي ذاته لا يحقق هذا إذ أنه خاضع للتغير باعتبار أنه يتوقف على وجود الآخرين. وعلى الفرد أن يطمح إلى أن يُشبه اكتفاء الخالق بذاته. ولا توجد صفة واحدة يستطيع الإنسان أن يحقق من خلالها هذا الاكتفاء إلا معرفة الخالق داخل الحدود المتاحة للإنسان (أي صفاته) وهي معرفة تدفع الإنسان إلى أن يحاول محاكاة الخالق.
وضع ابن ميمون ما يُعرَف بالأصول الثلاثة عشر (بالعبرية: شلوشاه عسار عيقاريم) لليهودية، وهي أهم محاولة لتحديد عقائد الدين اليهودي، التي وردت في مقدمة ابن ميمون لكتاب السنهدرين في كتاب السراج، وهي في جوهرها لا تختلف عن المعتقدات الإسلامية كثيراً، فهي تنفي أية حلولية عن الإله:
١ ـ الإله هو خالق ومدبِّر هذا الكون.
٢ ـ واحد منذ الأزل وإلى الأبد.
٣ ـ لا جسد له ولا تحدُّه حدود الجسد.
٤ ـ هو الأول والآخر.
٥ ـ على اليهودي ألا يعبد إلا إيّاه.
٦ ـ كلام الأنبياء حق.
٧ ـ موسى أبو الأنبياء؛ من جاء قبله ومن جاء بعده.
٨ ـ التوراة التي بين يدي اليهود هي التي أُعطيت لموسى.
٩ ـ التوراة غير قابلة للتغيير ولن تنسخها شريعة أخرى.
١٠ ـ الخالق عالم بكل أعمال البشر وأفكارهم.
١١ـ إنه يجزي الحافظين لوصاياه ويعاقب المخالفين لها.