ويوجد نوعان من الاختلاف بين هذه الأصول وبين العقائد الإسلامية؛ اختلاف سطحي ينصرف إلى الألفاظ لا إلى البنية حين يحل موسى بن ميمون كلمة «توراة» محل «القرآن» وكلمة «موسى» محل «محمد» ، واختلاف أساسي بنيوي يتعلق بالعقيدة الخاصة بعودة الماشيَّح. ولكننا، حتى في هذا المجال، نجد أن موسى بن ميمون يحاول أن يضفي عليها صيغة عقلية إذ يذهب إلى أن عصر الخلاص بعودة الماشيَّح سيأتي في مسار التاريخ وسيكون حدثاً يتم في هدوء بعيداً عن أية كوارث وعلامات للظهور، وسيأخذ شكل عصر جديد لا يختلف عن عصرنا هذا وإن كان سيأخذ شكلاً أعلى من أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي. ورغم تأثر موسى بن ميمون بالفكر الإسلامي العقلاني في كتابات الفارابي وابن سينا وربما ابن رشد، فإنه يؤمن بأن الشريعة الشفوية (التلمود) مرسلة من الإله ويشير إلى الشعب المقدَّس والشعب المختار.
وقد ذهب موسى بن ميمون إلى أن العقيدة اليهودية وفكرة الخالق لا يمكن فهمهما واستيعابهما إلا من خلال الفلسفة الأرسطية، وإلى أن أيَّ تفسيرات أخرى هي شكل من أشكال الوثنية، ولذا يجب أن نلقن الناس (حتى العوام) التعريف الدقيق للخالق.
ويبدو أن بعض أقواله تحتمل تأويلات يُفهَم منها أنها إلحادية أو تبث الشك في قلوب المؤمنين، مثل قوله إن جوهر الإله غامض على الإنسان ولا يمكنه فهمه. وهناك ما يوحي بأنه لا يؤمن بالبعث، خصوصاً أن فكرة الآخرة ظلت باهتة في اليهودية. كما أنه كان يؤمن بأن النبوَّة أمر يحققه الإنسان من خلال الجهد العقلي. ومن ثم ذهب بعض علماء اليهود إلى أن الأرسطية الميمونية تشوِّه معنى الكتاب المقدَّس وأن ابن ميمون يظهر احتراماً لأرسطو أكثر من احترامه لنصوص الكتاب المقدَّس أو التراث الحاخامي.