للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن ثمة قلة قليلة من البشر قادرة على الوصول إلى مثل هذه المعرفة. وهنا تصبح هذه القلة القليلة موضع الحلول وهنا تصبح المعادلة الحلولية ليست مجرد الإله ـ الطبيعة ـ الإنسان، أي إنسان، وإنما تصبح الإله ـ الطبيعة ـ الإنسان العارف من أمثال إسبينوزا (الذي يذكرنا بالماشيَّح في المنظومة القبَّالية، وبالإنسان الروحاني في المنظومة الغنوصية) .

رابعاً: الرؤية النفسية:

يذهب إسبينوزا إلى أن الفرح المصاحب لعملية المعرفة الكونية الموضوعية لا يشكل تجرداً كاملاً من الحالة الإنسانية، ولذا فهو يؤكد أن الإحساس الأكثر ثباتاً هو نوع من الاتزان والحياد الكامل والتحرر من الخوف الذي يحققه الإنسان عن طريق الخضوع لقانون الطبيعة وللمنطق السائد في الواقع وإدراك الضرورة الكونية (قانون الضرورة) . وبهذه الطريقة، نفصل الانفعال عن أسبابه المباشرة وعن الأفكار الغامضة غير الكافية ونربطه بالأفكار العقلية الصحيحة، وبذلك تتخلص النفس من عبودية الانفعال عن طريق تأمله في ضوء العقل الباهر، ويزداد المرء اقتراباً من حالة الصفاء كلما اتسع نطاق فهمه للأشياء، حتى إذا ما توصل إلى تأمل النظام الكلي للأشياء في ضرورته الشاملة حقق بذلك أسمى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من الفضائل وأمكنه التغلب تماماً على انفعالاته عن طريق ربطها بالمنطق الكلي للأشياء. بل إن فكر الإنسان، بذلك، ينحصر في التفكير في الحياة ودون تفكير في الموت، فكأن الحلولية الكمونية المادية تحل مشكلة الموت بإلغائها. فإذا كان الإنسان مادة وحسب فإنه حينما يموت، ينحل إلى مادة ويلتحم مرة أخرى بالمادة ويعود إلى الرحم الأكبر الذي جاء منه، وهو ما يعني أنه لم تحدث تحولات، فالإنسان لا يموت لا لأنه حر بشكل مطلق، وإنما لأنه كان ميتاً من الأصل، وهو لا يفقد حريته لأنه لا يمتلكها أصلاً! ويصبح الجهد المعرفي والنفسي للإنسان منصرفاً إلى الحصول على المعرفة الشاملة التي ستبين له بما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>