للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أدَّت الوثبة الحيوية في مجال الأخلاق إلى ظهور ضربين مختلفين منها يقابلان هذين الاتجاهين المتمايزين، اتجاه الغريزة واتجاه العقل، الأول تناسبه الأخلاق المغلقة، وهي أخلاق الجماعات المغلقة على نفسها التي تشبه من بعض الوجوه مجتمع النحل أو النمل، والثاني تناسبه الأخلاق المفتوحة التي تتجاوز حدود الجماعة، وعليه يتوقف مصير الإنسانية لأنه هو الذي يفتح أمام التطور البشري أفقاً واسعاً لا نهائياً. وتقوم الأخلاق المغلقة على الإلزام الذي يفرض على الجماعة نظاماً من العادات يحقق لها وحدتها ويصون كيانها، بينما الأخلاق المفتوحة تصدر عن نزوع عام تتمثل فيه جاذبية القيم وحب الإنسانية؛ الأولى يسميها برجسون الأخلاق الاجتماعية ومَثَلُها الأعلى تحقيق العدالة والتضامن الاجتماعي، والثانية يسميها الأخلاق الإنسانية ومثلها الأعلى المحبة والكمال الأخلاقي. ولكن الوثبة الحيوية لم تستطع أن تنتج إلا مجتمعات مغلقة بطريقة أو بأخرى، ولذلك فإنها عندما عجزت عن الاستعانة بالنوع بأكمله لم تجد بُداً من أن تستعين ببضع شخصيات ممتازة اتخذت منها أدوات لتحقيق مقاصدها وأغراضها، وهؤلاء هم الأبطال والأنبياء والمصلحون، رموز الوثبة الحيوية ودعاة المحبة والإيثار، وهم الصفوة المختارة التي تُحقِّق للحياة حركتها الصاعدة. ونحن هنا نواجه السوبرمان، الإنسان المتأله (أو تساديك) قمة التطور وتجسيد المطلق في التاريخ والنقطة التي ينغلق عندها النسق فهو مكتف بذاته لا يشير إلى نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>