والواقع أن كل هذه العناصر ما كانت لتسبب ثورة تجارية لو لم تكن النخبة العربية الحاكمة ذات أصول تجارية من قريش واضطلعت بالتجارة الدولية من قبل (رحلة الشتاء والصيف) ، ولم تكن هذه النخبة تنظر إلى العمل التجاري أو المالي باعتباره عملاً وضيعاً. وقد غيَّرت الثورة التجارية وضع اليهود تماماً فعملوا بالتجارة المحلية والدولية والصيرفة والربا. ومع حلول القرن العاشر الميلادي، كانت المؤسسات المصرفية اليهودية تقوم بإقراض الدولة سواء في بغداد أو القاهرة. ومن أشهر التجار الدوليين في ذلك الوقت (القرنين السابع والتاسع الميلاديين) التجار الراذانية. وقد أدَّى كل ذلك إلى ظهور طبقة يهودية وسيطة (كبيرة وذات نفوذ) تشكل جزءاً أساسياً من المجتمع لا تضطلع بوظيفة اقتصادية محددة مقصورة عليها كما كان الحال في أوربا، وإنما تقوم بنشاط اقتصادي مشروع ومقبول من المجتمع ككل باعتباره نشاطاً مهماً وجوهرياً ورفيعاً. ولذا، لم يتعرض اليهود لمثل تلك المذابح أو الهجمات التي كانت تُدبَّر ضدهم في أوربا إما بإيعاز من النبلاء الذين كانوا يرون فيهم أداة الملك أو من تجار المدن الذين كانوا يرون فيهم منافسين لهم، بل قامت شركات تجارية بين المسلمين والذميين. والواقع أن الطبقة التجارية المحلية في العالم الإسلامي كانت قوية لا تخشى التجار الذميين بل تراهم مكملين لها. كما لم يكن اليهود عرضة للاستياء الشعبي بسبب ممارستهم الربا، فهذه وظيفة كان يضطلع بها أيضاً المسيحيون من جميع الجنسيات، بل بعض المسلمين. أي أن اليهود عاشوا في صلب المجتمع الإسلامي، لا في مسامه كما كان الحال مع بعض الجماعات اليهودية في أوربا في مرحلة تاريخية معيَّنة.