واللحظات النماذجية الثلاث (السنغافورية والتايلاندية والنازية) ليست منفصلة تماماً، فهي جميعاً لا تعترف إلا بالطبيعة/المادة والواحدية المادية وتحول الإنسان إلى مادة نافعة وتنزع عنه القداسة وتعريه من إنسانيته (بالإنجليزية: دي نيود de nude) ، وهو ما نسميه «الإباحية المعرفية» حيث لا حرمات ولا مطلقات، وحيث يُترَك الإنسان عارياً تماماً أمام مؤسسة قوية تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة والنفعية الداروينية التي تقوم بحوسلته وتوظيفه. فإذا كان العالم مادة، وإذا كانت كل الأمور متساوية، والإنسان مادة لا قداسة لها ليس إلا، ولا توجد سوى مرجعيات أخلاقية مادية، فإن النشاط الجنسي ـ عل سبيل المثال ـ مجرد نشاط مادي، شأنه شأن النشاط الاقتصادي، ومن ثم يمكن النظر للطاقة الجنسية للإنسان باعتبارها طاقة طبيعية/مادية يمكن توظيفها داخل إطار السوق والمصنع، أي أن تصبح الطاقة الجنسية مادة إنتاجية استهلاكية. ومن ثم، يمكن أن تظهر تجارة/صناعة البغاء، وتصبح البغيّ من أدوات الإنتاج، وهي في الماخور (في تايلاند أو في أي مكان) لا تختلف كثيراً عن أبطال الإنتاج في المصانع السوفيتية أو الأمريكية ولا عن اليهودي أو السلافي أو المعوقين في معسكرات الاعتقال، إذ يتحول الجميع إلى مادة استعمالية وطاقة محض. فالإنسان في اللحظة السنغافورية يتحول إلى طاقة إنتاجية وإلى قدرة شرائية تصب في عملية الإنتاج والاستهلاك القومي. بينما يتحول، في اللحظة التايلاندية إلى طاقة جنسية تقدم خدماتها للمستهلكين من السياح، فتحسِّن الدخل القومي وتعدِّل ميزان المدفوعات لحساب الوطن. وفي اللحظة النازية والصهيونية، يتحوَّل الإنسان غير النافع (اليهودي كمادة بشرية فائضة) إلى مادة استعمالية تزداد إنتاجيتها في معسكرات الاعتقال والسخرة أو في الدولة الصهيونية أو يتم التخلص منها في معسكرات الإبادة حسب مقتضيات الأمور (الأمر الذي يفيد الاقتصاد الوطني