ولا تتبدَّى حداثة هرتزل في الأفكار وحسب وإنما تتبدَّى كذلك في النبرة الهادئة، وهو يَصدُر عن فكرة الشعب العضوي المنبوذ ويفسره ويطرح حلولاً عملية للموضوع:
١ ـ الشعب العضوي المنبوذ.
يذهب هرتزل إلى أن معاداة اليهود أساسية في الحضارة الغربية لا مجال للتخلص منها، فهي إحدى الحتميات العلمانية التي تعلَّمها هرتزل من داروين وغيره، ولذا فهو يقابل الظاهرة بكثير من الهدوء والتجرد ويفسرها على عدة أسس:
أ) أساس تاريخي اجتماعي.
تَطوَّر اليهود داخل الجيتو وأصبحوا جزءاً من الطبقة الوسطى المسيحية التي لن تتردد في أن تلقي بهم للاشتراكية، فاليهود قوة مالية مستقلة ونفوذ اقتصادي رهيب. ولذا، فإن الشعوب المسيحية تدفع عن نفسها هذه السيطرة "فليس بمقدورهم أن يخضعوا لنا في الجيش والحكومة وفي جميع مجالات التجارة". وتتضح حداثة هرتزل في هدوئه وهو يستنتج مشروعية معاداة اليهود، فهي "شكل من أشكال الدفاع عن النفس" والمعادون لليهود بطردهم إياهم كانوا ببساطة يدافعون عن أنفسهم. السبب الكامن وراء معاداة اليهود، إذن، سبب موضوعي اجتماعي بنيوي هو المنافسة التجارية. ولكن هرتزل يضيف سبباً آخر هو "التعصب الموروث"، وهو سبب ذو بُعد تاريخي. ولعل هرتزل كان يعني بذلك أن المنافسة التجارية في المجتمعات الغربية البورجوازية كان يجب ألا تؤدي بالضرورة إلى معاداة اليهود. ولكن بسبب التعصب الموروث، أو بسبب أنماط الإدراك التقليدية الموروثة عن العصور الوسطى، أدَّى نجاح اليهودي في المجتمع البورجوازي إلى رفضه.
ب) أساس عرْقي.
كان هرتزل يرى أحياناً أن اليهود عرْق مستقل، ولذا فقد تحدَّث عن أنوفهم المعقوفة المشوهة وعيونهم الماكرة المراوغة. وكثيراً ما تحدَّث عنهم من خلال الأنماط العرْقية التقليدية الشائعة في أدبيات اليهود.