وأدَّت حرب الخليج الثانية إلى إبراز عدد من الفجوات في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، حيث أوضحت أولاً أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك قدرة ملائمة مضادة للتهديدات الصاروخية لا سيما التهديدات القادمة من بعد. وأدى القصف الصاروخي العراقي ـ رغم محدودية تأثيره المادي ـ للعمق الإسرائيلي إلى انكشاف المؤخرة الإسرائيلية بما فيها من تجمعات سكانية كثيفة، وازداد إدراك الخطر الصاروخي في ظل سعي دول المنطقة إلى امتلاك قدرة صاروخية بإمكانها إصابة أهداف إستراتيجية إسرائيلية. كما أن حرب الخليج من ناحية ثانية أظهرت استحالة قيام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ مفهومه الأمني التقليدي القائم على نقل الحرب بسرعة إلى أرض الخصم، وخصوصاً أن عنصر البُعْد الجغرافي قلَّل كثيراً قدرة السلاح الجوي الإسرائيلي على توجيه ضربات عنيفة إلى العراق.
يُضاف إلى ذلك أن عملية تسوية الصراع العربي الإسرائيلي سوف تكون لها انعكاسات إستراتيجية بارزة، حيث يفترض أن تفضي هذه العملية إلى قيام إسرائيل بتقديم تنازلات جغرافية إقليمية وهو ما يعني تآكل العمق الإستراتيجي، والتخلي عن مفهوم الحدود الآمنة بالمعنى الجغرافي، وإقامة تعاون اقتصادي يكفل إقامة شبكة علاقات اقتصادية متداخلة بين جميع دول المنطقة.
لقد أثبتت حرب الخليج انعدام جدوى دور إسرائيل القتالي. ثم مع سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور النظام العالمي الجديد بدأ مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي يتشكل حسب ألوان جديدة، هي مجرد تنويعات جديدة على النغمة الأساسية القديمة. فالثوابت ستظل كما هي (البقاء حسب الشروط الصهيونية وتوظيف الدولة في خدمة المصالح الغربية) ، ولكنها ستكتسب أشكالاً جديدة مثل التعاون العسكري مع بعض الدول العربية والمحيطة بالعالم العربي. والعدو هنا لم يَعُد النظم العربية الحاكمة ولا جيوشها، وإنما أشكال المقاومة الشعبية المختلفة.