بل يؤكد لنا بيريز أن "الشعب اليهودي نفسه لم يكن هدفه في أي يوم السيطرة ... إنه فقط يريد أن يشتري ويبيع ويستهلك وينتج، فعظمة إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها"، أي أن اللوجوس في مرحلة موت الإله ليس الفولك وإنما السوق.
وعلى مسرح السوق الجديد لن تجد الشعب العربي أو الشعوب الإسلامية صاحبة التاريخ والرؤية إذ سيتحرك على خشبته عناصر مجردة: المياه التركية والأموال الخليجية والعمالة المصرية، وهي جميعاً أشياء لا وعي لها. ثم يظهر على المسرح العنصر الذي سيمسك بكل الخيوط وسيُحركها: الخبرة الإسرائيلية، الوعي الحقيقي على المسرح.
ولكن السمة الأساسية لهذه السوق أنها سوق لا هوية لها، لا تعرف الزمان أو التاريخ، فهي مرجعية ذاتها، مكتفية بذاتها. وإن كان هناك أيُّ سوء فهم فقد تم تبديده إذ وُصفت هذه السوق بأنها «شرق أوسطية» ، أي أنها ليست عربية أو إسلامية، وإنما تنتمي إلى مكان دون زمان أو تاريخ. وهذا المكان هو الشرق الأوسط، وهو مفهوم جغرافي غير محدد، يضم قبرص وفلسطين وإيران وتركيا وأحياناً اليونان. والعلاقة بين الدول هي علاقة تعاقدية، فقد تتفق قبرص مع مصر مع إسرائيل، أو إسرائيل مع فلسطين مع الأردن، أو تركيا مع لبنان مع فلسطين، وهكذا. المهم أن الاتفاق هنا بين بلاد تنتمي إلى منطقة واحدة لا إلى تشكيل حضاري مشترك أو منظومة قيمية مشتركة. ومن هنا التبشير بسنغافورة باعتبارها أرض الميعاد الجديدة، وهي بلد صغير جداً لا تاريخ لها ولا ذاكرة ولا هوية محددة، تسيطر عليها رؤوس الأموال الغربية، وليس لها مشروع حضاري واضح أو كامن، فهي حيز للبيع والشراء وحسب.